20‏/03‏/2011

التلفزيون العمومي يغير جلده


مثلت حلقة أول أمس (الأربعاء) من برنامج "مباشرة معكم" الذي ينشطه الإعلامي جامع كولحسن على القناة الثانية، استثناء بجميع المقاييس، انطلاقا من الضيوف الذين كانت رؤيتهم في التلفزيون أمرا نادرا، إلى الشجاعة التي ميزت إدريس اليازمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان، الذي غامر بقدومه إلى بلاتوه التلفزيون أسبوعا فقط بعد تعيينه من طرف صاحب الجلالة في منصبه الجديد، للسجال والمناقشة  في برنامج مباشر وبوليميكي بامتياز.
كما أن الحلقة تميزت من الناحية الشكلية بتدبيرها الجيد لمبدأ التعددية في التعبير عن الآراء والمبادئ والأفكار المتصادمة والمتعارضة، إذ احترمت المبادئ القانونية والمهنية، وفي الآن ذاته، ضمنت الفرجة التلفزيونية التي هي إكسير كل منتوج، فظهرت في البلاطو نقاشات وسجالات لم يكن لها مثيل من قبل، مثل الحديث عن تقبيل يد الملك وصلاحياته...، وفي مواجهة هذا الخطاب، دافع ضيوف آخرون عن المكتسبات والديناميكية التي يعرفها بلدنا والاستثناء المغربي... لكن مع استعمال أسلوب مغاير عما كان متداولا في وقت سابق، إذ لم يسقط الضيوف في الببغاوية أو كمين لغة الخشب التي عودنا عليها الخطاب الرسمي التلفزيوني.
وفي السياق ذاته، كانت إدارة النقاش من طرف جامع كولحسن موفقة جدا، إذ كان المنشط موفقا في مهمته الصعبة من خلال التركيز على ثلاث ملاحظات أساسية:  أولا، منعه الضيوف من انتقاد أشخاص بذكر أسمائهم وهم غير حاضرين في البلاتو. وهو أمر ساهم بشكل حقيقي في عدم إفلات النقاش، والتحول بالتالي إلى الغوغائية والفوضى، الأمر الذي سقط فيه البرنامج في حلقات سابقة وكلفه قرارا من الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري ألزمه بإعطاء حق الرد (القرار رقم 05-08 الصادر في ماي 2005).
ثانيا، خرج جامع كولحسن عن دوره التقليدي الذي يكتفي فيه فقط بتوزيع الكلمة ، بل تعداه إلى تأطير النقاش، وإحراج الضيوف بالإكثار من الأسئلة المستفزة التي تمنح متعة النقاش والفرجة التلفزيونية وتعطي حرارة للسجال.
ثالثا، كان منشط البرنامج متوازنا في توزيع الكلمة. ورغم أن أطروحة مصطفى المانوزي رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف أو عبد الحميد أمين نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان،  كانت أكثر إثارة، ولد كولحسن الإثارة حتى في تدخلات من كان خطابهم عادة لا يمثل إثارة أو جاذبية، فأصبح اليازمي بدوره يتحد بلغة مثيرة وغير مألوفة صادرة عن مسؤول كبير في حجمه.
من جهة أخرى، لم يجد مخرج البرنامج حرجا في تصويب الكاميرا على شباب يدعون إلى الخروج للتظاهر يوم 20 مارس الجاري باعتباره خبرا وليس استفزازا، وهذا أمر آخر لم يكن مألوفا في التلفزيون العمومي.
والأهم من كل هذا وذاك، أن البرنامج كان سيد نفسه ولم يحس المشاهد لحظة واحدة بوجود توجيهات أو النزول إلى سقف معين، لأن حدود النقاش لم تحدد سلفا أو خضعت لمنطق "التحراش" أو "أوامر التلفونات" بل بدأت تحدد نفسها بنفسها مع توالي النقاش والجدال.
إن ما حدث أول أمس على القناة الثانية، وقبله على القناة الأولى ضمن برنامج "آراء وقضايا" الذي ينشطه الإعلامي عبد الرحمان العدوي، يمكن اعتباره صفحة جديدة للتلفزيون العمومي الذي نزع جلده المخزني القديم وهو الآن يحاول أن يكون (بكسر الواو) له جلدا أرقط يحوي جميع الألوان والحساسيات التي تعبر عن كل مكونات المجتمع المغربي الفسيفسائي. إلا أن هذا التحول يبقى مكسبا حديثا يجب الحفاظ عليه للنظر إلى الخطوة التالية في ثبات.
جمال الخنوسي