01‏/03‏/2012

عندما يصبح خطاب اليسار بطعم الكافيار


"ترفل نبيلة في تنورة من الجلد الأسود وقميص أبيض رجالي من الصوف من تصميم "بوس" (..) نبيلة تتزين بمجوهرات من توقيع "أزويلوص".. وساعة من كوروم..".
تمنح الإنارة القوية لملامح نبيلة رونقا وبهاء، وابتسامة الموناليزا التي ارتسمت على وجهها ألهبت حماس الفلاشات وزادت صرير آلات التصوير حدة. وحتى إن لم يكن كل شيء على ما يرام، سيكمل الحاسوب العمل، وسيمحو برنامج "فوتوشوب" ملامح الزمن وقساوته على وجهها الغض.
نبيلة ليست عارضة للأزياء، ولا منافسة لكولديا شيفر أو كايت موس، بل هي الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، التي تزين غلاف العدد الرابع من المجلة النسائية الجديدة "إيلي" (تعني "ابنتي" بالأمازيغية).
جميل جدا أن تحتل زعيمة هذا المنصب السياسي المتقدم، كما هو محمود أن تحتل امرأة مهمة غلاف مجلة قشيبة شعارها "امرأة حرة وعصرية"، لكن ما لا يمكن قبوله  هو أن تظهر زعيمة لليسار لتعرض ماركات الألبسة والأكسسوار بين إشهار ل"روبيرتو كافالي" تظهر فيه "ناومي كامبل" وأخواتها مفاتنهن، وإشهار نجم السينما جورج كلوني لكبسولات القهوة "نيسبريسو".
تتسلل نبيلة إذن، لتأخذ صفحات قليلة داخل كوكتيل من الاستهلاك السهل الذي يظهر المرأة كسلعة، ويبيع العالم للماركات الكبرى، فيختلط  خطاب اليسار بطعم "الكافيار". نبيلة، أيها الرفاق، أكبر من أن تسوق الأقمشة والإكسسوارات ومواد التنظيف. إن لها الحق في الظهور في الجرائد والمجلات الرجالية والنسائية، وبرامج الأطفال أيضا، لكن لتعرض أفكارها ومبادئ حزبها، وليس لبيع ملابس "بوس"، و"روبيرتو كفالي"، و"ألكسندر ماكوين"، و"جيرار داريل".

في فرنسا، قامت الدنيا ولم تقعد عندما ظهرت المغربية رشيدة داتي، وزيرة العدل آنذاك، على غلاف مجلة "باري ماتش" تلبس "تايور" من تصميم "ديور" وحليا باهظة الثمن لأنها كانت عنصرا في الحكومة. ولم يغفر لها الفرنسيون سقطتها مع أنها "مناضلة" في حزب يميني ينتمي إليه رئيس البلاد نيكولا ساركوزي، صديق الأثرياء وزعيم "البلينغ بلينغ" الذي قامت حوله القيامة لأنه ظهر وفي معصمه ساعة من نوع "روليكس" باهظة الثمن يتناول وجبة العشاء في مطعم "الفوكيتس" الشهير.
القريبون من السياسية/العارضة يعرفون أن نبيلة فوق كل هذا، وأن بداخلها مناضلة ذات فكر وموقف، لكن الزعيمة التي استغل اسمها للترويج للماركات، ارتكبت خطأ فادحا ليس لأنها مقصرة، لكن لأن سياسيينا يهيمون في الأرض دون مستشارين حقيقيين في التواصل. فظهور منيب بالشكل الذي بدت به في المجلة المذكورة يمكن أن نقبله من سياسية تدافع عن ليبرالية متوحشة، تشجع المجتمع الاستهلاكي، وتؤمن بقوة الشركات الكبرى التي لا ترى في المرأة سوى حجة للبيع. أما منيب فزعيمة يسارية حقيقية، وامرأة يعتز بها جميع المغاربة لأنها أول أمينة لحزب سياسي في وقت تعيش فيه الحكومة الملتحية نكوصا خطيرا بخصوص المساواة بين الرجل والمرأة، والوصول إلى مراكز القرار، لكنها بدل عرض أفكارها السياسية، سوقت للألبسة و"البلوجين" وتصاميم البذخ... "دوماج". 
جمال الخنوسي