30‏/05‏/2012

مخطئ من يهدد حريتي



نفى نبيل عيوش، مخرج فيلم "يا خيول الله"، أن يكون اعترضته خطوط حمراء خلال إنجاز فيلمه حول أحداث 16 ماي الإرهابية. وقال مخرج "علي زاوا" في حوار مع "الصباح" من مهرجان كان، "الحمد لله أصبحت لنا في المغرب حرية تعبير واسعة ويجب أن نبقى يقظين كفنانين للمحافظة عليها، لأن هذه الحرية يمكن أن تكون مهددة خصوصا عندما أسمع بعض التصريحات حول سينما عائلية أو نظيفة. هنا أقول يجب أن نبقى حذرين فأنا لست ضد سينما العائلة بل أراها شيئا جيدا ومشجعا، لكن لا يجب أن تحل محل حريتنا الإبداعية. فالحديث عن سينما العائلة لا يمنع وجود سينما للاختراق والاحتجاج والحرية والاستقلال ... هذه هي السينما: فن لعامة الناس ... والشيء الوحيد الذي يجب أن يتحكم في خيارات الفنان هي قناعاته وما يريد التعبير عنه. وكل من يريد أن يحرمنا من هذه الحرية فهو مخطئ لأنه سيدخل في معركة خاسرة من البداية. وعلى الحكومة اليوم أن تهتم بأوراش محاربة الرشوة وإصلاح نظام التعليم... وليس التضييق على حرية الفنان".
وأضاف المخرج المثير للجدل، " أنا لا أحس بحريتي مهددة، لكن في المقابل هناك محاولات لربح مساحات وعلى جميع المسؤولين والفنانين أن يكونوا يقظين... في وزارة الثقافة ووزارة الاتصال ولجنة الدعم السينمائي... لأنه ليس هناك أسوأ من التحكم في الفن وحريته عن طريق الدعم الذي تمنحه الدولة. فما الذي يجعل الأفلام المغربية لها صدى، وتحضر في مهرجان كمهرجان كان هو أن فيلما مثل "يا خيول الله" أنجز في حرية تامة ودون رقابة أو خطوط حمراء".
وكان نبيل عيوش فاز بجائزة "فرنسوا شاليه" السبت الماضي، عن فيلمه الروائي "يا خيول الله" الذي عرض في مهرجان كان الخامس والستين في إطار فئة "نظرة ما".
وتأتي الجائزة تكريما لذكرى المراسل الصحافي الكبير فرنسوا شاليه الذي توفي عام 1996.
واعتبرت أمانة الجائزة أن "نبيل عيوش اختار أن يستلهم بتصرف من اعتداءات 2003  التي أدمت الدار البيضاء ليظهر كيف أن العوز الاقتصادي والنفسي يمكن أن يؤدي بشباب عاطلين عن العمل إلى التضحية بذواتهم...". وأضافت، "من خلال ذلك يحترم فيلم المخرج الموهوب نبيل عيوش معايير "روح فرنسوا شاليه" الذي يحرص دائماً على التذكير بواقع العالم".
ويركز الفيلم الذي من المنتظر عرضه في القاعات الوطنية بداية 2013، على سيرة أخوين ورفاقهما مفصلا وضعهم الاجتماعي والمعيشي إذ كبروا في أجواء من البؤس في حي صفيحي اسمه "سيدي مومن" حيث يسيطر الحرمان والعنف والتخلي، ما يدفع بصبية لا تتسع لهم الحياة إلى التطرف والموت.
وأكد عيوش ل"الصباح" أن ردود الأفعال كانت رائعة جدا من جانب الجمهور الحاضر، والنقاد والصحافة التي قدمت مقالات جيدة عن الفيلم في الصحافة العربية والأوربية والأمريكية. كما استفاد الفيلم من تغطية واسعة من قبل القنوات التلفزيونية. ومن المنتظر أن يشارك في مهرجانات أخرى، وتلقى إلى حدود الآن أكثر من ثلاثين عرضا.
وحول طريقة تعامله مع تيمة الإرهاب قال عيوش، إن ما أريده من خلال هذا الفيلم هو الحديث عن الإرهاب بشكل مختلف عما أنجز حتى الآن، خصوصا في السينما الأمريكية التي لا تعطي صورة معقدة عن الإشكالية وسقطت في مقاربة تسطيحية وتبسيطية: الأخيار من جهة والأشرار من جهة أخرى... أردنا أن نفهم كيف أن شبابا
متحدرين من حي سيدي مومن، ويعيشون على بعد كيلومترات من بيتي، في حي أعرفه جيدا سبق لي أن صورت فيه مشاهد من فيلمي "علي زاوا"، تحولوا إلى قنابل بشرية. فقررت بالتالي أن أنجز فيلما في الموضوع يعتمد على تفكير عميق وطويل وبحث مستفيض على خلفية دراسات وأبحاث لمختصين وعلماء اجتماع وأبحاث ميدانية لنعرف كيف أن شبابا لم  تكن لهم سوابق يتحولون إلى ارتكاب أعمال همجية".
وحول تعامله مع رواية "نجوم سيدي مومن" أكد عيوش أن ماحي بنبين، كاتب الرواية، منحه كل ثقته وأعطاه الضوء الأخضر ليتصرف في العمل بحرية تامة، "احتفظت بأشياء كثيرة في الرواية، وفي الوقت ذاته أضفت نظرتي السينمائية للأمور، فالفيلم غوص عميق في قلب هذا الحي من أجل فهم ما جرى، إذ يبدأ بالشخصيات الرئيسية وعمرها عشر سنوات تقريبا، وينتهي بانفجار 16 ماي. فالعمليات الانتحارية ليست هي موضوع الفيلم لأن كل ما يهمني هو ما جري قبل ذلك، فأنا لا أسعى لجعل العنف فرجة فبالنسبة إلي العنف ليس موضوعا فرجويا بالمرة".
وأكد عيوش على أن فيلمه لا يسعى لتقديم أجوبة أو يقدم تبريرا لما حدث، "هذا ليس دور المخرج، فلا يجب أن ننسى أن أحداث 16 ماي أسقطت أبرياء وشردت عائلات وأطفالا، و إذا كان هناك من يمكنه تقديم الصفح فهم عائلات الضحايا وليس المجتمع. أنا لا أحاكم أحدا في هذا الفيلم، أريد أن أفهم فقط ما حدث وكيف تحول أطفال عمرهم عشر سنوات إلى قنابل بشرية. وبعد ذلك أترك للمشاهد تكوين رأيه الخاص".