06‏/05‏/2012

التلفزيون رهينة الخلافات حول دفاتر التحملات

كان تدخل صاحب الجلالة حاسما في "معركة دفاتر التحملات" التي حمى وطيسها قبل أسابيع، وتراجعت الجيوش إلى الوراء وتعلم الطرفان أن الصوت العالي لا يعني أنك على صواب، وأن لغة الوعيد والتهديد لم يعد لها مكان اليوم.
لقد أبانت بداية تطبيق الجزء الأول من مقتضيات دفاتر تحملات القنوات العمومية أن الخصمين، وزير الاتصال مصطفى الخلفي، ومهنيي الإعلام السمعي البصري استوعبا أخطاء الأمس، ويتجلى ذلك في مجموعة من الملاحظات الدالة والمعبرة: فطن وزير الاتصال أن كثرة التصريحات تقتل روح التواصل وانتبه إلى أن خرجاته يجب أن تكون محسوبة، وبعد استقباله من طرف صاحب الجلالة أصبح متحفظا بشكل ملموس ويحسب لخرجاته الإعلامية ألف حساب. وبعد أن كان الحديث عن "دفاتر الخلفي"، أصبح الحديث اليوم عن دفاتر الحكومة وخياراتها... أضف إلى ذلك أنه توقف القصف والقصف المضاد وبالتالي الابتعاد عن الترويج ل"ضرورة" إقالة سليم الشيخ مدير دوزيم، ونائبته سميرة سيطايل، لأنه من الناحية السياسية تصريحات وتهديدات غير مقبولة وينقصها النضج، لأنه يجب ألا ننسى أن الخرجات الإعلامية للشيخ وسيطايل ملأت فراغا مهولا وقالا ما لم يتمكن أحد من قوله، كما نجحا فيما لم تستطع المعارضة السياسية القيام به.
نعم، انشغل رؤساء القنوات التلفزيونية على مدى شهر بالقيام بدور المعارضة ونفذوا ما كان حريا بالمعارضة السياسية القيام به تحت قبة البرلمان، معارضة سياسية لم تستطع مواجهة دفاتر التحملات في شقها الدستوري والقانوني واكتفت بالخطب السياسية الفضفاضة، فوجد المديرون أنفسهم في فاتح ماي أمام إكراه تطبيق بنود الدفاتر وبالتالي لجؤوا إلى ما يمكن أن نطلق عليه "البريكولاج" و"الديباناج" في تنزيل البنود.
ويمكن الحديث عن "البريكولاج" منذ اليوم الأول على مستويين اثنين مرتبطين بالمضمون والبرمجة: فالإشهار الذاتي الذي قامت به دوزيم للنشرات الجهوية يبرمج قبل أو بعد كبسولات استوديو دوزيم بشكل مقصود أي هناك نوع من "تقطار الشمع" على الدفاتر بين خيار متطور هو "استوديو دوزيم" وخيار مترهل يذكرنا بالبدايات الأولى للقناة الثانية في حقبة الثمانينات (استوديوهات جهوية قديمة وأجهزة تماثلية بشعة مقابل الإبهار بآخر تكنولوجيا استوديو دوزيم).
إن تنفيذ دفاتر التحملات لا يصرح به بشكل فج على الشاشة بل يتم تبنيه وترجمته "تلفزيونيا" من خلال تنزيل مهني لمقتضيات دفاتر التحملات (إلباس وجينغل...) أما ما قدمه الإشهار الذاتي فله معنى واحد وخطاب مباشر من القناة أن مصطفى الخلفي مدير برمجة وليس وزيرا يسطر الإستراتيجيات الكبرى.
إن النتيجة المؤسفة لما يحدث حتى الآن هو أن التلفزيون (الذي هو ملك لكل المغاربة) سيصبح رهينة للخلافات تصل حد التناحر بين طرفين ليسا بالضرورة مالكين للحقيقة.
إن دفاتر التحملات ليست أقل وأكثر من دفاتر تحملات "عادية" ولا يمكن ربطها بال"كلام الكبير" الذي يردده وزير الاتصال في كل مكان "أنا سأنزل الدستور... أنا سأنزل الحكامة... أنا سأنزل الشفافية..." الخلل لا يكمن في مدى مسايرة الدفاتر لمضامين الدستور، لكن التلفزيون يجب أن يعكس خيارات المجتمع برمته. لذلك لابد من حوار وطني أو مناظرة نحدد فيها خيارات المجتمع المغربي التي سنسقطها على التلفزيون وسنخرج بالتالي ب"عقد اجتماعي" هو أكبر وأسمى من دفاتر التحملات التي لا يتعدى عمرها ثلاث سنوات، وتتضمن خيارات ليست ممتدة في الزمان لأنها إجراء تكتيكي فقط.
الخوف كل الخوف هو أن تقتل دوزيم نفسها بنفسها، وتسير في معركتها نحو الانتحار
المهني. "يجب أن يبقى المهني مهنيا"، على حد قول رئيس القطب العمومي فيصل العرايشي، وبالتالي تجنب تصفية الحسابات على الشاشة. يجب أن تثبت دوزيم، ومعها سليم الشيخ وسميرة سيطايل، أن المكتسبات التلفزيونية الإيجابية (التي لا يمكن إنكارها) ملك للمغاربة، لذلك يجب أن يسير التلفزيون في طريقه دون التفريط في مكتسبات الأمس. مع الانتباه إلى وجود مؤسسة اسمها الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، ضامنة للحرية والتعددية في إطار متابعتها البعدية للمجال السمعي البصري.