22‏/04‏/2012

العرايشي: استقلالية الإعلام العمومي مقدسة

أكد فيصل العرايشي، رئيس القطب العمومي، إن استقلالية الإعلام العمومي عن تأثير السياسي مسألة أساسية لا يمكن مناقشتها أو تراجع عنها. وقال الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون في حوار مع "الصباح"، "إن الإعلام العمومي ليس مجالا لتصريف أفكار سياسية أو حزبية، ومن المهم لنا جميعا التركيز على أهمية استقلاليتنا عن السياسي وتأثيراته... فاستقلاليتنا التحريرية مقدسة، ودورنا ضمان التعددية واختلاف الآراء والمواقف، سندنا في ذلك أخلاقيات المهنة".
وتحدث العرايشي عن مجموعة من القضايا والعراقيل التي تواجه المهنيين في تنفيذ مقتضيات دفاتر التحملات، مشيرا إلى أنها تتطلب إمكانات مالية وعنصرا بشريا مهما.

كيف ستتعاملون مع المشاريع التي انخرطتم فيها في وقت سابق مع أن دفاتر التحملات سيشرع في تطبيقها في فاتح ماي؟
تفعيل دفاتر التحملات سيتم بشكل تدريجي، بعض بنودها سيبدأ تطبيقه في فاتح ماي، والبعض الآخر في بداية شتنبر أو بداية 2013. فمن الناحية البرمجة هناك إشكال يجب حله بطريقة سريعة، إذ أن العمل التلفزي يتطلب أخذ القرار فاختبار البرامج الجديدة يأخذ ستة أو سبعة أشهر من التفاوض والعمل والدراسة قبل المرور إلى مرحلة الإنتاج، وهذا أمر ينطبق على البرامج والمسلسلات والأفلام التلفزيونية ... هناك سيرور طويلة يقطعها كل عمل. ومع تفعيل دفاتر التحملات الجديدة هناك مجموعة من الأعمال قطعت شوطا بعيدا وقاربنا التعاقد مع الشركات. الآن، نجد إشكالية في تدبير هذه البرامج، إذ لا يمكننا إقصاء هؤلاء الفاعلين في المجال الذين توصلوا بموافقة مبدئية، وعملوا طويلا، وواكبناهم منذ شهور. وفي المقابل، لا يمكننا أن نستمر في هذا الطريق لأن دفاتر التحملات الجديدة تجبرنا على تعيين لجنة لاقتناء البرامج. وأمامنا حتى فاتح يونيو لخلقها. لكن من الآن إلى حلول هذا التاريخ ماذا يمكننا أن نفعل؟
من له الحق في تعيين هذه اللجنة؟
اللجنة يعينها الرئيس المدير العام للشركة، وتتكون من ثمانية أشخاص أربعة منهم يتكونون من ممثلين عن القنوات التلفزيونية وثلاثة من العاملين في الشركة الوطنية وصورياد دوزيم.
دفاتر التحملات تتحدث عن عاملين لا علاقة لهم بالبرمجة أو الانتاج...
صحيح وهذه نقطة مهمة يجب الانتباه إليها، كيف يمكننا مناقشة الإنتاج والبرمجة دون علم بآليات الإنتاج وميكانزماته وحاجة البرمجة ومتطلبات القنوات. نحن أمام إشكال حقيقي من أجل جعل قرار الانتقاء في يد مهنيين مختصين ولهم دراية بالموضوع. ونحن في مفاوضات من أجل حل هذا المشكل، إذ أن الدفاتر في نسختها الجديدة تلزمنا باختيار أناس لا علاقة لهم بالبرمجة أو الإنتاج.
أما الأربعة المتبقين فواحد منهم أكاديمي له علاقة بالمجال السمعي البصري، وثلاثة أفراد آخرين شخصيات نزيهة معروفة، وذات وزن ولها سمعة في مجال الفن والإعلام دون أن تكون لها علاقة بالإنتاج، حتى لا يكونوا طرفا وحكما.
الفكرة في أساسها جيدة وتسير وفق مبادئ الحكامة والشفافية، لكن طريقة العمل التي تحدد بقانون داخلي سيقدم إلى المجلس الإداري يجب إعادة التفكير فيها.
أضف إلى ذلك أن هذه اللجنة ستتلقى عرضين سنويين وعرضا ثالثا خاصا بشهر رمضان، وهنا أتساءل عن كيفية تدبير هذه اللجنة للكم الهائل من الأعمال التي ستتوصل بها، وأظن أن ثمانية أفراد لن يتمكنوا من قراءة ومراجعة ومناقشة كل ما تتوصل به القنوات من مشاريع... هذا أمر مستحيل. يكفي أن أشير إلى أن عليها تدبير أكثر من 80 سيناريو فيلم تلفزيوني في كل عرض. دون أن ننسى المسلسلات والبرامج والأفلام الوثائقية.... ودون الدخول في سؤال الجودة فذلك موضوع آخر. اللجنة ستقرر بخصوص انتقاء الأعمال، لكن من سيقرر في الجانب المالي: إذا قبل مشروع برنامج أو عمل فني سيفاوض حامل المشروع في موقف قوة وسيطلب ما يريد عن عمل وافقت عليه اللجنة. وبالتالي سنفقد مبدأ الإنتاج بأقل ثمن وأكثر جودة.
يجب خلق لجنة تقرر في الجانب المالي وأخرى تقرر في جودة البرامج في ما بعد، إذ  لا يمكن أن يحاسب الرئيس المدير العام على جودة خيار لجة لم يقرر فيها.
الحكامة الجيدة والشفافية كلها قيم نتقاسمها جميعا، لكن تطبيقها وتفعيلها مسألة أخرى. والتساؤلات التي نطرحها تمثل لنا إشكالات حقيقية وداخلية مرتبطة بالتدبير اليومي للمرفق.
من جملة الانتقادات الموجة إلى دفاتر التحملات الجديدة أنها لم تعط أهمية للترفيه...
يجب أن لا ننسى أن دور التلفزيون هو الإخبار والتوعية والترفيه أولا وأخيرا. الجانب الترفيهي هو الأساسي في التلفزيون. والحوار الذي يدور اليوم تناسى أن التلفزيون ترفيهي بطبعه يجب أن يضم الإبداع والعبقرية وإلا سيرحل مشاهدونا إلى قنوات أخرى. جميع تلفزيونات العالم تقوم على الترفيه ولا يمكن ان ننفر المشاهدين بحوارات يومية.
إن دفاتر التحملات لم تعط قيمة للترفيه: فمجموعة "إم بي سي" مثلا، تقوم بالأساس على الترفيه، وهي مجموعة خاصة تمثل أكثر من 45 في المائة من نسب المشاهدة في المملكة العربية السعودية. كيفما كان الحال، سواء أردنا إخبار أو توعية المشاهد يجب أن تكون شبكة البرامج مقبولة ومستساغة أولا وقبل كل شيء.
قنوات تلفزيونية أخرى خضعت بدورها للتغيير في توجهاتها وجوهرها مثل "المغربية" ما هي الصعوبات التي ستواجهكم في هذا التحول؟
"المغربية" طالها تحول عميق. فقد كانت من قبل مبنية على إعادة بث البرامج التي تبث على "الأولى" و"الثانية"، وكنا نفكر في تعزيز الخبر في القناة مع الحفاظ على تركيبة إعادة بث أحسن ما تنتجه القناتان. وإذا عدتم إلى عقد البرنامج السابق تجدون أن ميزانية "المغربية" تقريبا لا شيء. إنها تضم اقل من عشرة عاملين وأغلب قيمة كلفتها تعود إلى مصاريف البث وتكاليف القمر الاصطناعي. وفي الآن ذاته، كانت تقدم خدمة كبير في الداخل والخارج مع نسب مشاهدة مهمة (3 في المائة) بالمقارنة مع كلفتها الهزيلة.
يجب النظر إلى القطب العمومي في مجموع أدائه من القناة الأولى والثانية والمغربية والرياضية... يجب النظر إلى موازنة نسبة المشاهدة مع الميزانية التي نوظفها، و"المغربية" في صيغتها القديمة ناجحة بكل المقاييس، وهي اليوم تخضع إلى تغيير جذري، إذ ستبث بأربع لغات هي الفرنسية والعربية والاسبانية والانجليزية.
بوكس 1: استقلالية الإعلام العمومي مقدسة
لقد وجهت انتقادات عديدة إلى دفاتر التحملات.. منها من يتحدث عن تمرير بنودها لخطاب حزبي داخل الإعلام العمومي ما هو تعليقكم؟
استقلالية الإعلام العمومي عن تأثير السياسي مسألة أساسية، ومبدأ لا يمكن التفريط فيه. فالإعلام العمومي ليس مجالا لتصريف أفكار سياسية أو حزبية، ومن المهم لنا جميعا التركيز على أهمية استقلاليتنا عن السياسي وتأثيراته، وأنا لا يمكنني أن أقبل بهذا تحت أي مسمى، فاستقلاليتنا التحريرية مقدسة، ودورنا هو ضمان التعددية واختلاف الآراء والمواقف، سندنا في ذلك أخلاقيات المهنة... والهيأة والعليا للاتصال السمعي البصري تقوم بدورها القاضي بمراقبة التزاماتنا واحترامنا للتعددية. 
بوكس 2: أداء الإعلام العمومي مشرف
دافع فيصل العرايشي، رئيس القطب العمومي، عن أداء الإعلام العمومي الذي اعتبره مشرفا ويقوم بدور كبيرا وفعال مقارنة مع الميزانية المخصصة له. وقال العرايشي، "يجب الانتباه إلى  أنه بين سنة 2000 و2012 خلقت سبع قنوات تلفزية وقناة إذاعية، وثلاث قنوات جهوية، مع المحافظة على عدد المستخدمين نفسه (2300 مستخدم)، وهذا دليل على أن العاملين بالشركة يقومون بأقصى مجهوداتهم، ويضحون من أجل تقديم الأحسن. لنستحضر كمثال القناة الفرنسية الالمانية "آرتي" التي هي من اجود القنوات الثقافية إذ لا تفوق نسبة مشاهدتها 1 في المائة، في حين أن ميزانيتها تقارب ضعف ميزانية الإعلام العمومي المغربي. والقنوات الإخبارية الفرنسية ("إل سي إي أو "إي تيليفزيون) أقل من 1 في المائة، ومعدل قناة "أوروسبور" الرياضية أقل من 1 في المائة أيضا. القنوات الموضوعاتية تراعى في تقييمها الكلفة مقارنة مع نسب المشاهدة".
ويضيف العرايشي، "لنمر إلى مقارنة إعلامنا العمومي مع دول أخرى: في فرنسا يحقق 31 في المائة من نسب المشاهدة، وفي إسبانيا 32 في المائة، وفي ايطاليا 40 في المائة، وفي ألمانيا 42 في المائة، وإنجلترا (وهي الأحسن في العالم) 43 في المائة، وفي المغرب 39 في المائة، وفي مصر 19 في المائة، وفي الإمارات 5.5 في المائة، والجزائر وتونس حوالي 10 في المائة. يجب أن لا ننسى أننا أمام منافسة 800 قناة عربية لأن الإعلام العمومي في بلدان أخرى تحميه اللغة، فالمشاهد الايطالي لا يمكنه مشاهدة سوى القنوات الإيطالية، في حين أن المشاهد المغربي تسعفه اللغات إضافة إلى باقة واسعة من التلفزيونات العربية الأخرى. على الصعيد العالمي نحن في رتبة مشرفة جدا، ونحتل الرتبة 16 في الإعلام العمومي بالنسبة إلى دراسة جمعت 100 بلد حول العالم".
بوكس 3: مع ظهور قنوات تلفزيونية خاصة
هل تساندون فتح المجال لدخول قنوات تلفزيونية خاصة؟
أنا مع المنافسة الشريفة التي لا يمكنها إلا أن تجعل الجميع يحسن أداءه ويعطي أكثر. لكن يجب أن يحكمنا جميعا قانون السوق الذي يقبل الربح والخسارة.
لكن كان الحديث بعد تعليق الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري منح تراخيص القنوات الخاصة، عن تقوية الإعلام العمومي قبل الدخول في مسلسل تقديم الرخص...    
هذا منطق خاطئ ... التفكير الحقيقي يجب أن ينصب نحو خلق الأجواء اللازمة لاستمرار المقاولات التي تستثمر في القنوات التلفزيونية. وأنا شخصيا اقترحت في وقت سابق أن تتخلى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، التي لا تعتمد إلا على 17 أو 18 في المائة من مداخيلها على الإشهار، عن حصتها والخروج من سوق الإشهار لتترك حوالي 250 مليون درهم لتستفيد منها قنوات أخرى. هذا حل لكن القرار ليس بيدي.
بوكس 4: صعوبات مالية وتقنية
"أنا أتحدث كمهني قبل أن أكون رئيسا للقطب العمومي. نسعى جميعا إلى تطبيق دفاتر التحملات لكن كيف؟ علينا خلق أربع هيآت تحرير وتوظيف صحافيين وتقنيين ومقر ولوجيستيك واستوديوهات وبلاطوهات تصوير.... وكلها تكاليف لا نطلب سوى الميزانية اللازمة لتنفيذها، لأن المرافق الحالية لا يمكن ان تحتضن كل هذا، في انتظار تنفيذ مشروع جديد بعد عامين أو ثلاثة وانتقالنا إلى المقر الرئيسي في "تيكنوبوليس" بسلا. كل ماجاء في دفاتر التحملات يمكن تطبيقه في حال أعطيت لنا الإمكانات لذلك، والحال اليوم أننا لا نتوفر على ما يضمن الالتزام ببنودها. "المغربية" مثلا قناة جديدة تتطلب ميزانية جديدة ومناقشة عقد البرنامج يمكنها أن تعطينا الأجوبة اللازمة".