09‏/06‏/2006

«الدكتور غلالة» يطلق النار على الصحافة المكتوبة

* بعد إهانة «حسن الفذ» لإعلامية بالقناة الأولى
* «الدكتور غلالة» يطلق النار على الصحافة المكتوبة

الكثير من الأسئلة المهمة والشائكة تغيب قصدا أو عن غير قصد عن الساحة الفنية المغربية. إما للظروف غير المواتية أو لأن هذه الساحة لم تحقق أساسا النضج والتراكم المطلوب من أجل مساءلتها وطرح الإشكالات العامة التي تطرح في بلدان أخرى في الجهة الثانية من البحر.
سؤال قديم طفا على السطح في الآونة الأخيرة بفرنسا بسبب مجموعة من الأحداث حينته وجعلت منه موضوع الساعة في الساحة الفنية هناك :
أين يمكن أن تبدأ الفكاهة وأين تنتهي؟
هل كل المواضيع صالحة لتكون مادة خصبة للفكاهة والنكتة؟
السبب الذي صنع آنية هذه الأسئلة في فرنسا هو ما عرفته مؤخرا من منع طال الفكاهي الفرنسي «ديودوني».
والمحاكمات التي شهدتها قاعات المحاكم و«الديراباج» الذي عرضته بعض القنوات التلفزية وسهله البث المباشر. فقد قدم «ديودوني» اسكيتشا عن شخصية مواطن صهيوني متطرف في القناة الثالثة الفرنسية ضمن برنامج " لايمكن إرضاء جميع الأطراف" الذي ينشطه مارك أوليفيي فوجييل . ثارت على إثره ثائرة اللوبيات الصهيونية في فرنسا مطالبة بمنع الفنان . وقال حينها «ديودوني» إن له الحق في السخرية من المتطرف الصهيوني كما له الحق في السخرية من المتطرف المتأسلم أسامة بن لادن.
هذا النوع من «الديراباج» ليس جديدا في فرنسا فقد سبق ديودوني الفكاهي الكبير «كوليش» و بعده "غي بودوس" وغيره من الذين جعلوا من الجرأة و«الديراباج» مادة سهلة لطرح مواضيع للنقاش أو للشهرة فحسب.
لكن لماذا طرح هذا السؤال الآن على الساحة الفنية المغربية؟
السبب هو حكاية الفنان الساخر «حسن الفد» وتصرفاته تجاه الصحفية بالقناة الأولى سمية بلعياشي بمدينة مراكش. حيث الديراباج لا يتم عندنا كما هو الحال في كل بقاع الدنيا من أجل قضايا كبرى (يمكن أن نكون معها أو ضدها) لكنه ديراباج على رأي الفنانة أم كلثوم «شكل ثاني».

قبل أيام معدودة توصلت الجريدة ببيان تضامني واستنكاري من النقابة الوطنية للصحافة المغربية (جهة مراكش تانسيفت الحوز) «على إثر الإهانة التي تعرض لها طاقم القناة الأولى من طرف الفكاهي «حسن الفذ» ومساعديه أثناء العرض الذي قدمه في إطار مهرجان الضحك بالمسرح الملكي بمراكش ليلة السبت 6 ماي والذي تميز بكلام ساقط تخجل له الأسماع. وبعد التعامل غير اللائق الذي صدر من الفنان المذكور في حق الإعلامية سمية بلعياشي ومصور التلفزة عبد الله الصديق وتقني الإذاعة رفيق وهم يؤدون مهمتهم المهنية". ويستنكر البيان بشدة هذه التصرفات «اللامسؤولة واللاأخلاقية» ويعبر عن تضامن الفرع المطلق مع الزملاء المهنيين ويطالب حسن الفذ باعتذار علني لهم ولكل الصحافيين بما يكفل كرامتهم. ويؤكد على أن الفنانين والإعلاميين المعنيون بالرقي بالذوق والدفاع عن القيم النبيلة وأن تصرف «حسن الفذ» غير مقبول ويسيء إلى الفنانين وإلى أخلاقيات مهنة الفن. ويختم البيان باحتفاظ الفرع بحقه في اتخاذ كافة الصيغ القانونية للرد على هذا التصرف... انتهى البيان.

كان من الطبيعي أن نتصل بالمعنية مباشرة لنتقصى حقيقة هذه التصرفات التي يتحدث عنها البيان. كان حديثها هادئا في بدايته لكن ما أن انطلقت في سرد الحكاية حتى أصبح كلامها أكثر قوة و حدة ينم على تأثرها البالغ بما حدث. قالت بلعياشي إنها لم تعرف قط حسن الفذ معرفة شخصية فقد كانت تراه كبقية «عباد الله» في التلفزيون، وكانت مناسبة لقائه عند ما طلبت منها القناة الأولى تغطية تظاهرة مهرجان الفكاهة الأول للضحك الذي استضافته مدينة مراكش في 6 ماي.
انتظرت بلعياشي حوالي 45 دقيقة وصول الفذ على حد قولها ، لتأخذ تصريحاته وارتساماته حول عرضه و ظروف المهرجان ككل. إلا أن تصريحاته كان فيها نبرة غريبة من التهكم والاستهزاء. فحسبت أن الأمر يدخل في إطار المزحة والتنكيت المعروفة لدى الفنان الساخر وقال لها إن الضحك «بحال اللحم والخضرة» وأن الجمهور المغربي لا يعرف إلا الضحك و«حاجة أخرى بلاما نقولها»!!
بعد انطلاق العرض أبلغ مصور القناة الأولى الإعلامية سمية بلعياشي بأن عليهم الانسحاب من قاعة العرض بدعوى أن المصورين الآخرين يغادرون القاعة. فردت عليه بأنهم في مراكش لتغطية حدث فني وعليهم أن يقوموا بمهمتهم كاملة.
لكن بعد دقائق قليلة تفاجأ بلعياشي بمشهد مصور القناة يدفع (بضم الياء) به خارج القاعة من طرف معاوني الفنان الساخر. وقال الفد معلقا أمام الجمهور من فوق الخشبة «مال هذا مغوبش حيد ليه البيرية باش إولي دكابوتابل» واستمر الدفع والعراك داخل الكواليس حيث ادعى معاونو الفد بعدم أحقيتنا في التصوير. بينما مصور القناة يرد بأنه ليس من حقهم معاملته بهذا الشكل المهين.
بعدها جلست سمية بلعياشي في مكان قريب من الكواليس لكي تتتبع عن كثب ما يجري .فالتحق بمكان قريب منها الممثل المراكشي فركوس فقال الفد معلقا «تبارك الله على السي فركوس مبرع مع راسك» وأضاف «محال واش متبع شي عرض باركا عليك العرض اللي قدامك» وبعدها تمادى في تصوير حركات العمليات الجنسية بشكل فج و مخل بالأخلاق. وتضيف بلعياشي أن الفذ قال حينها بأن «المراكشيين هما اللي يفهموا بحال هاد شي». وفي حديثه عن الشعر قال الفد «راكم عارفين فين كاينوض» وعندما لم يرق للكثير من الجمهور هذه التلميحات الجنسية الفجة آثروا مغادرة القاعة فكان الفذ يلاحقهم بوقاحة قائلا «التواليت من الجهة الأخرى!»
واستمرت العياشي طويلا في حكايتها تروي تفاصيل مخجلة عن عرض فكاهي بطعم «السفالة».
كان لا بد لنا بعدها أن نستمع إلى ما سيقوله الفنان الساخر حول عرضه المزدوج والارتجال الذي شهده. وفي اتصال هاتفي مع الفذ رفض هذا الأخير التعليق أو نفي أو حتى تأكيد ما وقع. و ذكرنا حينها بأن موقفه سيكون ضعيفا في حال استمراره في موقفه السلبي هذا. فقال بأن الأمر لا يهمه وبأن له سبلا وطرقا أخرى كفيلة بالرد على ما أتت به بلعياشي. وبأنه لن يلجأ للقضاء بل له «سيركويات» للنيل منها ومن الصحافة «العربية» المكتوبة لأن اللغة في نظر الفذ تتحكم في عقليات متحدثيها وبأن الصحافة المكتوبة باللغة العربية صحافة من الدرجة الثانية وبرهنت عن مستواها من خلال تعاملها مع قضية بلعياشي وسيرد عليها في الوقت المناسب و بطريقته الخاصة.
بعد انتهاء «الدكتور غلالة» من فحص أحوال الصحافة المكتوبة (و باللغة العربية من فضلكم) عرفنا حينها أن ما قام به الفنان الساخر تجاه إعلاميي القناة الأولى ليس «ديراباج» بمعناه «النبيل» الذي يسقط فيه الفنان بين الفينة والأخرى... فلتات تصنع ملح وتوابل الحياة الفنية كما هو الحال في جميع المجالات الأخرى. بل إن فعلته تدخل في إطار قلة «الحيا» والسفاهة، واعتبار إثارة الصحافة لهذا الموضوع يدخل في إطار تحالفات مع زميلة في المهنة هو منطق ضعيف يستعين بنظرية المؤامرة على «فنان» لا يطمح أحد في التآمر عليه بل هو استهتار واستسهال نقله الفنان الساخر للميدان الفني بعد أن نشر عدواه في ميدان اشتغاله السابق.
من المؤسف جدا أن يملأ شاشة تلفزتنا ولوحاتنا الإشهارية "فنان" بهذا التفكير الحلزوني الذي يليق بمشاجرات الحمامات ومناوشات أسلاك "النشير". فليعلم القيمون على التلفزيون زن الفذ لم يعد يضحكنا لأنه "هجرو لينا" وليضع أصحاب الشركات الكبرى و الصغرى في حسابهم أن الدكتور غلالة ليس النموذج الأمثل الذي يحتدى به بل أن صورته لن تسوق غير السطحية والابتذال.
جمال الخنوسي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق