29‏/05‏/2010

أن تسمع إلتون جون في الرباط

عندما كتبت الأديبة الإيرانية آذر نفيسي روايتها الشهيرة "أن تقرأ لوليتا في طهران" لم يكن قصدها الاحتفاء برواية "لوليتا" المثيرة للجدل في حد ذاتها أو كاتبها الروسي فلاديمير نابوكوف، بل إن نفيسي التي فصلت من عملها كأستاذة جامعية للأدب الإنجليزي في بلدها إيران بسبب رفضها ارتداء الحجاب، كانت تقصد رمزية الممنوع ضدا على القهر والتهميش، وتجعل بالتالي من قراءة "لوليتا" مظهرا من مظاهر الحرية التي يسلبها إياها الواقع الإيراني المتزمت وضغوطه القاسية.

وتروي الكاتبة في روايتها التي صدرت بالإنجليزية عام 2003 في الولايات المتحدة التي نفيت إليها عام 1997، على مدار فصولها الضخمة جلساتها مع طالباتها في بيتها في طهران، حيث تختار معهن كتبا في الأدب للقراءة والدرس، وفق معيار الإيمان العميق لمؤلفي تلك الكتب بالطاقة السحرية للأدب، الأدب الذي يمكنه صياغة العالم المظلم في إيران حيث حراس "الأخلاق" الذين يعاقبون النوايا ويوزعون صكوك الطهارة، يتربصون بالجميع، وتصبح قراءة رواية "ممنوعة" مثل "لوليتا" نوعا من النضال ودليلا على الممانعة والصمود في وجه القهر.
في المقابل، ماذا يعني أن تسمع "إلتون جون" في الرباط؟ ماذا يعني أن يحج أكثر من 40 ألف مغربي إلى منصة حي السويسي للمشاركة في مظاهر الفرح وروح الانفتاح في موازين؟
يعني أن المغاربة ليسوا قطيعا من النعاج أو شعبا قاصرا ينتظر من شرذمة أن تملي عليه خياراته أو يلجأ إلى فقيه مسلوب يحرم عليه نوتات البيانو وكل مظاهر الفرح في الحياة.
لقد ارتفع صوت إلتون جون وعلت موسيقاه، ليلة أول أمس الأربعاء، دون أن يتحول المغاربة، فجأة، إلى طائفة من "الشواذ". وفي الوقت نفسه أصيب بالإحباط أولئك الذين كانوا يتصورون أن الفنان البريطاني سيغني بمؤخرته العارية وسيعانق البيانو "سفاحي" يصفع الريح مناطقه الحساسة. وكان موقف المغاربة واضحا، وحج الناس لرؤية فنان عالمي قادمين من الدار البيضاء وطنجة وفاس ومكناس وأكادير، بل منهم من تحمل عبء السفر من بلجيكا وإسبانيا. وتابعوا تحت حراسة أمنية مشددة وناجعة أطوار حفل تاريخي.
يجب الاعتراف أن حضور موازين والاحتفال مع ميكا والتون جون وسانتنا وعبد الهادي بلخياط ... مثله مثل قراءة لوليتا في طهران، تعبير عن رفض القمع ومنطق الوصاية الذي يريد أن يفرضه علينا جميعا حفنة من المتعصبين والمتشبعين بأفكار طالبان البائدة.
تقول نفيسي عن إيران، "هذا بلد يؤول كل إيماءة تأويلا سياسيا أيا كانت تلك الإيماءة، وهم يجدون أن ألوان منديل رأسي وربطة عنق أبي تمثل رموزا للانحلال الغربي وللنزعة الإمبريالية، حلق اللحي ومصافحة الجنس الآخر والتصفيق أو الصفير في التجمعات العامة، كلها تقليعات غربية، إذا فهي دليل دامغ على الانحلال، وهي جـزء مـن خـطة الغـرب للـتقليل من شأن ثقافتنا".
وإذا لم نفكر في وضع حد فاصل لكل هذه الخزعبلات، لن يبقى أمامنا سوى أن نقرأ "لوليتا" ونسمع التون جون.. قبل أن يحل الظلام.
جمال الخنوسي

هناك تعليق واحد:

  1. الممنوع مرغوب أخي كمال
    والجلبة التي كانت قبل حفل التون جون، لم تكن سوى اشهار له
    سلاموو

    ردحذف