01‏/06‏/2010

مشروع تهريب البطولة الوطنية إلى الخارج يهدد السيادة المغربية


إن الخطوة التي أقدمت عليها الجامعة الملكية لكرة القدم بإطلاق طلب عروض دولي لاحتكار البطولة الوطنية ليست زلة أو هفوة يمكن التغاضي عنها أو تمريرها بسهولة، بل كومة أخطاء سياسية واستراتيجية وسيادية قاتلة سيكون لها ما قبلها وما بعدها. فطلب عروض دولي يحكمه أساسا المنطق التجاري الذي أعمى الأبصار وأسقط الجامعة في شرك خطأ سياسي فادح يمكن النظر إليها من عدة مستويات.
أولا، من البديهي أن طلب عروض دولي ستتنافس فيه، مع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، قنوات لن تكون إلا خاصة مثل "الجزيرة الرياضية" و"نسمة"، وهي منافسة غير متوازنة ولا متكافئة، إذ كيف تطلب من شركة عمومية تمولها الحكومة المغربية، ولها أهداف معينة، ورأس مال محدود، ودفاتر تحملات مضبوطة وإكراهات قانونية، من منافسة قنوات ذات تموين لا محدود ومنطق مختلف تجاه الربح والخسارة.
ثانيا، من خلال فتح المجال أمام الأجانب لاحتكار البطولة الوطنية، فإن الجامعة الملكية المغربية باعتبارها مؤسسة عمومية تابعة لوزارة الشباب والرياضة، تجر مؤسسة عمومية أخرى (ممولة من المال العمومي) إلى سباق محموم غير متوازن وكأن المال العمومي يزايد على المال العمومي!
ثالثا، إن ظفر "الجزيرة الرياضية" القطرية أو "نسمة" الإيطالية التونسية بمباريات البطولة الوطنية سيدفعها إلى رمي قسط هام منها في سلة المهملات، إذ من خلال منطق الربح الذي يحكمها، ستبقي على أهم المباريات وستتخلى عما سواه، في وقت يحكم الشركة الوطنية منطق الخدمة العمومية ومن واجبها نقل جميع المباريات والتعامل مع جميع الأندية على قدم المساواة (نقل ست مباريات من أصل ثمان أسبوعيا).
رابعا، ما قامت به الجامعة الملكية المغربية هو حفر قبر قناة عمومية اسمها "الرياضية" تعيش أساسا على عوائد نقل البطولة الوطنية، وصرفت عليها الدولة الملايين من الدراهم، وتأتي في آخر المطاف الجامعة لتصفيها وتصدر شهادة وفاتها، إننا أمام حالة غريبة وشاذة تجسد قتل الدولة للدولة.
لقد فتحت جامعة الفهري الباب أمام قناة حرمت المغاربة من مباريات كأس إفريقيا وكأس أوربا وكأس العالم، وطلبت مبالغ خيالية تعجيزية، تلتها غضبة حكومية كبيرة وغضبة جماهيرية أكبر، وتأتي الجامعة الملكية بعد كل هذا لتهدي الجزيرة الرياضية البطولة الوطنية في طبق من ذهب. هل نحن أمة بلا ذاكرة؟
ستدفعنا إذن جامعة الفهري اليوم إلى الخطأ نفسه بسبب سراب الإغراء المادي. وسيصبح المشاهد المغربي مجبرا على اللهاث وراء "الجزيرة" وأخواتها من القنوات الأجنبية من أجل تتبع المنتوج المحلي. فبعد أن استعادت البطولة الوطنية البعض من بريقها بمساندة من التلفزيون المغربي تأتي جامعة الفهري لتهريبها إلى الخارج على قول الشاعر: علمته الرماية ولما اشتد ساعده رماني.
إن القضية يا سادة ليست كروية ولا رياضية ولا تلفزيونية، إنها أساسا قضية سيادة تتعلق بتحكم الدولة في منتوجها الوطني.
ألهذه الدرجة نحن مستعدون إلى التفاوض عن أي شيء أو بيع أي شيء من أجل تعويض إفلاسنا و قدرتنا على الخلق والابتكار؟ ولماذا لم تجنح الجامعة الملكية إلى حل المشكل محليا والجلوس على طاولة حوار مغربي مغربي لإيجاد حل في الدار وبإمكانات الدار؟
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق