10‏/07‏/2011

ثقافة فرنسية شاذة.. شيء ما ليس على ما يرام


شيء ما ليس على ما يرام في الثقافة الفرنسية. نعم، اسمحوا لي أن أنقل لكم هذا الخبر السيئ والمتحامل لأنعي لكم ثقافة رائدة في العالم عرفت بأدبها الراقي وابتكاراتها للموضة الأنيقة، وتقاليد طبخها العريق، كما اشتهرت بمسارحها ودور الأوبرا، والعروض الفنية المبهرة ورواج المعارض التي تشهد إقبالا منقطع النظير في كل ألوان الابتكار والإبداع.


لكن عندما أقول إن الثقافة الفرنسية ليست بخير، لا أقصد كل هذا، لأن وقفة قصيرة للتأمل في الفضيحة التي انفجرت أخيرا حول قضية الوزير الفرنسي الذي يغتصب الأطفال في مراكش ويمارس عليهم الجنس الجماعي، تجعل المرء يصل إلى ملاحظة غير متوقعة: أغلب وزراء الثقافة في هذا البلد "الشقيق" فيهم شيء من "إن" أومشكوك في ميولاتهم الجنسية.
لنبدأ من الاشتراكي "جاك لانغ" الذي شغل منصب وزير الثقافة بين 1981 و1986، ومجددا من 1988 إلى غاية 1993، وشغل منصب وزير التربية والتعليم بين 1992 و1993، ومجددا من 2000  إلى غاية 2002. فهو الشخصية الأولى التي تشير إليها أصابع الاتهام في الوقوف وراء ما لمح له وزير التربية الوطنية الأسبق "لوك فيري"، خلال برنامج "لوكران جورنال"، على القناة الفرنسية الخاصة "كنال بلوس"، واتهم فيري خلال البرنامج الذي كان ينشطه المغربي علي بادو على "كنال بلوس" في موضوع صمت المحيط السياسي حول الانحرافات السياسية لبعض الزعماء والمسؤولين السياسيين الفرنسيين على خلفية قضية المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس، وزيرا فرنسيا سابقا، لم يذكر اسمه، بأنه ضبط وهو يغتصب قاصرين بمراكش خلال ليلة منظمة خصيصا لممارسة الجنس الجماعي.
وأشار فيري الذي شغل منصب وزير التربية الوطنية ببلده ما بين 2002 و2004، إلى أن مسؤولين على أعلى مستوى في هرم السلطة ابتداء من الوزير الأول كانوا شهودا على الوقائع، وجرى التدخل لطمس الجريمة بعد إخبار القنصل الفرنسي بمراكش للسفير بالرباط الذي أخبر بدوره المسؤولين في باريس.
واعتمد فيري لتأكيد تصريحاته على ما نشرته مجلة "لو فيغارو مغازين" التي أشارت بدورها إلى الموضوع، مؤكدا أنه "تم ضبط وزير سابق وهو يمارس الجنس على أطفال صغار بمراكش"، قبل أن يضيف "نحن كلنا نعرف من يكون"، وعندما قاطعه منشط البرنامج قائلا "صراحة أنا لا أعرف من يكون" رد عليه فيري قائلا: "هذه القضية سمعتها من أعلى سلطة في الدولة، ومن الوزير الأول على الخصوص"، دون أن يذكر اسم الشخص الذي اتهمه ولا اسم الوزير الأول الذي أخبره بالقضية.
وعندما سئل فيري حول ما إذا كان يتوفر على أدلة تسند اتهامهم، اكتفى بالقول "حتما لا أتوفر عليها، لكن لدي شهادات مستقاة من أعضاء دواوين من أعلى مستوى تابعين لسلطات الدولة العليا". واستطرد فيري قائلا "لا أستطيع أن أكشف عن اسمه لأني أنا من سيتعرض للمساءلة وحتما سيحكم علي رغم أني أعرف أن القصة حقيقية".
في السياق ذاته، برز اسم آخر كمرشح ثان في "فضيحة مراكش"، معروف بدوره بميولاته الجنسية الغريبة، هو فيليب دوست بلازي الذي شغل منصب وزير الثقافة بين 1995 و1979 ثم وزيرا للصحة ووزيرا للشؤون الخارجية.
وكانت وسائل الإعلام الفرنسية انشغلت طويلا بحكاية الغرفة رقم 312 التي كان يشغلها دوست بلازي في فندق المامونية بمراكش في 2005. وتداولت أحداث تحطيم محتويات الغرفة الفاخرة من طرف زوجته منتجة التلفزيون المعروفة التي ضبطته في "وضع غريب" ولم يفرق تشابكهما الذي كلف 30 ألف أورو، غير تدخل أحد حراس الأمن الخاص بالوزير.
وأوردت جريدة "لوموند" حينها أن جهاز المخابرات بعث تقريرا إلى وزارة الداخلية الفرنسية والسفارة بالرباط.  
أما وزير الثقافة الحالي، فريديريك ميتيران، فله قسط وافر من الفضائح، إذ تداولت وسائل الإعلام الفرنسية حكايتين أساسيتين تتعلق الأولى بإدلائه لشهادة أخلاقية لصالح فردين من عائلته اتهما باغتصاب فتاة قاصر جماعيا. وأكد ميتران في رسالة حملت إشارة مؤسسة "فيلا ميديسيس" الثقافية الفرنسية الشهيرة، التي كان يديرها في روما قبل الانضمام إلى الحكومة، "التزامه شخصيا تسهيل أي إجراء اندماج" لمصلحة المتهمين. فيما ترتبط الثانية بالإشادة بالسياحة الجنسية في رواية له صدرت في 2005، وحكى فيها تجارب جنسية مع قاصرين في تايلاند.
وذكر ميتران في روايته "الحياة السيئة" الميول الجنسية نحو القاصرين لإحدى شخصياتها، وترتددها على دور الدعارة في تايلاند، وتبرير تلك الممارسات. وتأججت الانتقادات ضد وزير الثقافة بعد مساندته للمخرج الفرنسي البولندي رومان بولانسكي، الذي تم توقيفه الشهر الماضي أثناء وجوده في سويسرا، لصدور مذكرة توقيف في حقه عن القضاء الأمريكي سنة 1977 في قضية ممارسة علاقات جنسية غير مشروعة مع قاصر في 13 من عمرها. الأمر الذي دفع اليمين المتطرف وقسم من اليسار إلى مطالبة ميتران بالاستقالة من منصبه.
قدر الثقافة في بلد الأنوار أن ترتبط بوزراء يجرون إرثا "جنسيا" ثقيلا، لكن مع ذلك يجدر بنا القول كما قال غاليلي، "ومع ذلك تدور!".
جمال الخنوسي