29‏/07‏/2011

فراغ سياسي يصنع مرحلة عنوانها الابتزاز

شل حركة القطارات، قطع الطريق العام، احتلال مقر حزب، إيقاف عجلة الاقتصاد، عرقلة تصدير الفوسفاط... هكذا بدت لنا سبل الاحتجاج هذه الأيام.
العاطلون غاضبون، محتجون يهددون بإضرام النار في أجسادهم، سكان يتخلون عن جنسياتهم، وآخرون يحرقون بطاقاتهم الوطنية، وشرذمة تريد الاحتجاج يوم عيد العرش... هكذا اندلعت المزايدات.
وكما يقوم البعض بأعمال شغب خطيرة ترد الدولة بسلوكات أخطر، تنذر بكارثة ولا استقرار يمكن أن تكون له عواقب وخيمة، إذ لا تكف عن إرسال الخطابات تلو الأخرى تفيد أنها أصيبت بالوهن والشيخوخة المبكرة.
فالمخزن عن طريق قنواته الخفية أو المكشوفة يصر على إقناع الناس بأن من يصيح أكثر فهو محق، ومن يخرج إلى الشارع مرات أكثر مصيب، ومن يبتز ويبتز ينال كل ما يريد.
لذلك أصبح مباحا اليوم أن يقوم 800 عاطل باحتلال مقر حزب الاستقلال بباب الأحد بالرباط قصرا، ولا يتم إخلاء المكان إلا بعد التوقيع على محضر يضمن مناصب شغل لهؤلاء في مشروع قانون المالية 2012.
كما أصبح شبه عاد أن يقوم "مواطنون" بالجماعة الحضرية لجزولة (جنوب شرق اسفي) بمهاجمة أفراد من الدرك تابعين للمركز الترابي لجزولة، كانوا أوقفوا شخصا موضوع مذكرة بحث. ولم يجد الدركيون بُدا من اقتحام محل للحلاقة هربا من مهاجمة المواطنين، في انتظار وصول تعزيزات أمنية، غير أن المهاجمين اقتحموا الصالون ذاته، وفكوا يدي المتهم من الأصفاد، قبل أن يعمدوا إلى سكب الماء المغلى على أحد الدركيين، ما تسبب له في حروق تطلبت نقله إلى المستعجلات!
هذه هي الصورة العامة الآن، والفوضى هي عنوانها الكبير، فالبلاد تعيش فراغا سياسيا حقيقيا يستغله البعض إما عن وعي أو دونه : الدولة تعيش مرحلة انتقالية منذ الإعلان عن مشروع الدستور الجديد، ومن المرجح أن يستمر الوضع إلى غاية الإعلان عن تكوين أول حكومة في ظل عهد جديد. إنها مرحلة انتقال حساسة جدا، ومرحلة فراغ غير معلنة ولن تتضح الصورة وينجلي السراب إلا يوم تعيين حكومة يمكنها أن تتخذ قرارات شجاعة. فالحكومة الحالية مكونة من مجموعة أشباح يفكرون في مستقبلهم السياسي أكثر من مستقبل البلاد، أيديهم مكبلهم بل مشلولة بعد انتهت صلاحيتهم فكان ردهم الطبيعي أن "هزوا يدهم عن مصالح البلاد والعباد"، وما يقومون به اليوم هو التسويف، ونقل الإرث الثقيل إلى الحكومة المقبلة التي سيكون رئيسها حتما في وضع لا يحسد عليه.
وإذا كان البعض يستغل هذا الوضع بشكل تلقائي عفوي كما هو الحال بالنسبة إلى "الفراشة" أو الباعة المتجولين الذي حولوا حياة الناس إلى جحيم، ودفعوا أصحاب المحلات ليتحولوا بدورهم إلى "فراشة" جدد يدفعون الإتاوات بدل دفع الضرائب ومستحقات الدولة، وجعل جميعهم من الشوارع والممرات والمسالك سوقا مفتوحا سبعة أيام في الأسبوع، فإن أطرافا أخرى مثل النهج الديمقراطي أو جماعة العدل والإحسان تستغلان الوضع عن وعي وإصرار وترصد، وتريد رفع سقف مطالبها إلى ما نعرف وما لا نعرف.
لقد أصبحنا نعيش في فوضى عارمة، وأغلبنا يعاني تبعات أشكال احتجاجية مدانة مردها مرحلة انتقالية سببت فراغا سياسيا قاتلا، زادت المشاكل المتراكمة تفاقما فأصبح عنوان المرحلة هو الابتزاز.
جمال الخنوسي