19‏/03‏/2007

إلى أليفي حفيظ

إلى أليفي حفيظ ...
أينما كان


عزيزي حفيظ
إسمح لي أن أكتب لك هذه الرسالة التي أعرف أنك لن تقرأها أبدا، إنها رسالتي الأولى والأخيرة التي أوجهها إليك. وحتى أستمر في الكتابة، أتخيلك، كما هو الحال في اللوحات الأوروبية القديمة، تنظر إلينا من الأعلى تبتسم ويشع نورك بين السحاب.
صحيح أن اسمي لا يعني لك شيئاً، ولا صورتي أيضا، لأننا لم نلتق قط ولم تسمع صوتي بالمرة، في حين سمعتك لساعات وأنت تتحدث معلناً بداية برنامجك «بوغي» أوتنهيه في أدب.
عرفتك مذيعا أنيقا، تقدم الأغاني بحب لأن ذوقك كان مختلفاً وراقياً، ولا تقدم إلا ما كان يستهويك بالدرجة الأولى، فكان حبك لهذا النوع من الموسيقى يفيض عبر الأثير، ليلف كل المستمعين ونتقاسم معك حبك لموسيقى الروك والبوب، وكل ما هو جميل.
لقد عرفت معك أن «بوس» ليس فقط ماركة للملابس بل هي أيضاً كنية لأكبر «روكور» عرفته أمريكا بعد " إلفيس برسلي "، واسمه "بروس سبرنغستين".
اكتشفت برفقتك فرقا ك "آلان بارسننز بروجيكت" و"سوبر ترامب" و"إيلغز". وأصابني هوس الحناجر المبحوحة و«المكسرة»، كتلك التي ينعم بها "بوب سيغر" و"جو كوكر".
في الحقيقة، عزيزي حفيظ، لقد صنعت من برنامجك موسيقى هي الشريط الصوتي لحياتي، تؤرخ لحقبة ممتدة منها.
سمعت أغاني "بوغي" على القناة الإذاعية «شين أنتير»، وأنا أعد امتحاناتي، وأنا أكتب رسائلي الغرامية، وأنا أبكي حزناً، وأنا سعيد بنجاحي، وأعدو لبرنامجك لأكتب على موسيقاه سطوري الأولى.
شكراً لك حفيظ لأنك ربيت ذوقي وأذواقنا جميعاً على موسيقى «محترمة»، شكراً لك لأنك لم تقدم "سبت الحيحة" أو أية حيحة من أي نوع. ولم تفرض علينا نكتا تافهة، ولم تنهل من قاموس الشمكارة لاستجداء الضحكات الصفراء والخضراء والحمراء.
أعتذر لك عزيزي حفيظ بعد فوات الأوان لأني لم أحدثك قط، ولم أشكرك قط ولم أقل لك إنك رائع.
أعرف أنك لا تحتاج للمديح ولا للإطراء ولم تسع إليه قط. فلم تلهث وراء بلاتوهات التلفزيون بالمرة. ولم تصنع لك زبانية تلهث وراءك وتهتف باسمك.
أقول لك شكراً بعد فوات الأوان كعادتي وكعادتنا جميعاً. لا نقول كلمات الود وتعابير العرفان إلا بعد فوات الأوان. حتى تكريماتنا الرسمية الباردة في السهرات المقررة التي يقدمها التلفزيون لها طعم الشفقة أكثر من طعم الاعتراف بالجميل، والتعالي بقيم التضحية التي يقدمها جند مجهولون في الخفاء.
لقد اخترت أن ترحل في صمت ودون مقدمات، آثرت الانسحاب في زمن الرداءة، حيث القبح يحتل الواجهة ويزهو بأسماله المهترئة ويملأ الأثير نعيقاً.
سامحني ..
وسامحنا الله جميعاً.
جمال الخنوسي




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق