29‏/03‏/2007

التفصيل والبيان في مهزلة مهرجان تطوان


قاطعه المغاربة وهجره التطوانيون واتهمه المصريون ب"السمعة السيئة"
التفصيل والبيان في مهزلة مهرجان تطوان

انطلق يوم السبت الماضي في محيط بارد من برودة ليالي تطوان القاسية، المهرجان السينمائي المتوسطي في دورته الثالثة عشرة، والذي تحول لأول مرة من شكله الهاوي مع جمعية "أصدقاء السينما بتطوان" إلى الشكل المؤسساتي برئاسة وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة محمد نبيل بنعبد الله. المهرجان يضم في عضويته والي ولاية تطوان ورئيس جهة طنجة تطوان ورئيس الجماعة الحضرية لمدينة تطوان ومدير وكالة تنمية وإنعاش الأقاليم الشمالية، وأعضاء جمعية أصدقاء السينما بتطوان، التي أسست لهذه التظاهرة السينمائية. هذه الدورة سبقها الكثير من التطورات واللغط والقيل والقال، ما جعل الكثيرين يتنبأون لهذه الدورة بأنها ستكون أسوأ من سابقاتها سواء من ناحية التنظيم أو من ناحية الإقبال والتفاعل مع الأفلام المعروضة. دورة سبقها العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام، سنحاول التعمق في بعضها ونقدم مفاتيح الفهم وشفرات بعضها الآخر.

هل يحتاج عبد الحليم لتكريم مغربي؟
إنه سؤال بسيط وبعيد عن أي شوفينية، وليس له أي ارتباط بالنعرة القبلية المتفشية هنا وهناك. لكن هذا السؤال يكسب كل شرعيته عندما نستحضر مجموعة من النقاط، فالعندليب الأسمر مكرم بما فيه الكفاية في جميع أنحاء العالم العربي وخصوصاً في بلده الأم مصر التي لا تنتهي فيها الأنشطة الفنية. وكان آخر تكريم كبير تجلى في إنتاج فيلم ضخم قام فيه عملاق السينما المصرية، أحمد زكي وابنه بدور عبد الحليم في مختلف مراحل عمره، حيث شارك فيلم "حليم" في مهرجان «كان» السنة الماضية.
في المقابل، تم تمييع الاحتفالية المرتبطة بعملاق الغناء من خلال المسابقة التي عرفت أطوارها على شاشة MBC، من أجل اختيار المطرب الممثل الذي سيقوم بأداء دور العندليب. هذه المسابقة عرفت مشاركة المغربي عبد العلي بنحربة، وقد تم عرض المسلسل الذي أنتجته مجموعة العدل في شهر رمضان الماضي.
تكريم العندليب في تطوان سيصاحبه عرض مكثف لمجموعة من أعماله التي لا يرى أحد أية فائدة لإعادة تقديمها من خلال قسم "استذكاري" خاص سيعرض‏5‏ أفلام هي "معبودة الجماهير‏"‏، و"الوسادة الخالية"‏، و"أغنية الوداع"‏، و"يوم من عمري"‏، و"أبي فوق الشجرة"‏. ‏فماذا يعني عرض أفلام لم يعد أحد يحتمل رؤيتها، لكثرة الإعادات على القنوات التلفزية، في مهرجان سينمائي في وقت يشكو فيه العشرات من الفنانين المغاربة من الإهمال والتهميش، ويقضون نحبهم في جحود تام متأثرين بأمراض خبيثة أو بعلل الشيخوخة. فهل فعلاً يحتاج عبد الحليم لتكريم مغربي؟


كذب حسني ولو صدق
تنبأت الصحف المصرية أسابيع قبل انطلاق المهرجان باعتذار عدد كبير من الفنانين المصريين عن المشاركة في مهرجان تطوان السينمائي، وعلى رأسهم منة شلبي والفنان كريم عبد العزيز والمخرج أحمد جلال، وقالت إنه لن يحضر سوى الممثل الشاب أحمد الفيشاوي الذي أصر على اصطحاب والده رغم أنه لا يشارك في فيلم ابنه "45 يوم" المشارك في المسابقة الرسمية. ورغم أن الفيلم يعتبر الوحيد الذي يمثل مصر في المسابقة الرسمية، إلا أن اختياره كان بمثابة المفاجأة للأوساط السينمائية المصرية، حيث يعد التجربة الثانية للممثل الشاب أحمد الفيشاوي الذي فشل في فيلمه الأخير. وكانت مجلة "الإذاعة والتليفزيون" المصرية قد ذكرت في عددها الأخير، أن صحفيا سيء السمعة يعمل بإحدى الجرائد المعارضة للحكومة المصرية أوقع مدير المهرجان أحمد حسني في ورطة كبيرة، نتيجة اختياره ثلاثة أفلام من الشركة العربية للإنتاج الفني، وهي "واحد من الناس" الذي اعتذر أبطاله عن الحضور، وفيلم "أوقات فراغ"، وفيلم "45 يوم" للفيشاوي، وهو ما دفع بقية النجوم التابعين لشركات أخرى إلى رفض المشاركة أو الحضور رغم توجيه الدعوة لهم.
مدير المهرجان "أحمد حسني" اعتبر في تصريح سابق لجريدتنا أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد "أقاويل" و"حرب شركات إنتاج مصرية" فيما بينها. ثم تحول للقول بعد ذلك في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء مبررا غياب النجوم "إن هذا أمر عادي يحدث في مثل هذه المناسبات". وأوضح أن بعض العوائق مازالت تحول دون مشاركة بعض السينمائيين الذين أعلنوا من قبل حضورهم المبدئي للدورة لاعتبارات متعددة أغلبها موضوعي، من بينها مشكل التأشيرات التي تأخر تسليمها لبعض المشاركين خاصة من جمهورية مصر العربية!!
واليوم بعد قرب نهاية المهرجان تأكدت أنباء الصحف المصرية، وغدا الغياب والانسحابات السمة الأساسية للمهرجان الذي لم يحضره سوى قلة قليلة من ضيوف السياحة الفنية.

بعد الرحيل .. السمعة السيئة
آخر صدمة يتلقاها المهرجان هي رحيل الفنانة إلهام شاهين التي تم طلب تعويضها بالفنانة المصرية هالة صدقي، علما أن إلهام شاهين هي عضوة لجنة تحكيم الفيلم الطويل التي يترأسها المخرج المغربي حميد بناني بالإضافة للإسباني كارلوس روصادا والإيطالية روصانا سريجني والفرنسية بريجيت روان. وقالت إدارة المهرجان إن سبب الرحيل هو تواجد والدة إلهام في المستشفى في حالة صحية متردية، في حين أن العديد من المراقبين رأوا أن سبب مغادرة النجمة المصرية راجع بالأساس إلى عدم رضاها عن المهرجان ككل، وهو الموقف ذاته الذي أبداه زميلها فاروق الفيشاوي وابنه أحمد الفيشاوي حينما غادرا عشاء الافتتاح قبل بدايته. حيث ذكرت وسائل الإعلام المغربية أنه لم يتم الالتفات بالمرة إلى النجمين إلهام شاهين وفاروق الفيشاوي، ولم تمنح لهما كلمة للتعبير عن رأيهما، بل إن الفيشاوي أقصي بالكامل من طرف منشطة حفل الافتتاح ماجدة اليحياوي.
زد على هذا مقاطعة الجامعة المغربية للأندية السينمائية التي رفضت الرضوخ لشروط مؤسسة المهرجان، والتي شبت وترعرعت جمعية "أصدقاء السينما بتطوان" في كنفها، بالإضافة لغياب لجنة تحكيم الفيلم الوثائقي ليلة افتتاح المهرجان، وحضور عنصر واحد بدل أربعة، هذا دون الحديث عن غياب الضيوف والفنانين المشاركين في الأفلام التي تدخل المسابقة أو تعرض خارجها.
وكانت الصحف المصرية قد نبهت أياما قبل انطلاق المهرجان إلى أن السمعة السيئة لاحقت مهرجان تطوان، نتيجة التصرفات التي اندفع إليها مدير مهرجانه أحمد حسني، حيث كان يذهب إلى منازل المخرجين وبيوتهم لمشاهدة الأفلام القصيرة!! وكذلك شاهد الأفلام في دور العرض السينمائي، وهو ما يخالف الإجراءات والتقاليد السينمائية المتبعة في مشاهدة الأفلام المشاركة بالمهرجانات، في أجواء خاصة وقاعات مجهزة بالمراكز السينمائية بالقاهرة، للحكم جيدا على الأفلام.

مهرجان الوزير
مازلت أذكر تلك القصة الطريفة، والمقلب الذكي الذي كان يتفنن أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي في روايته ونحن مشدودون لما يحكي حول قصة الخليفة المامون الذي ابتدع قصة حلمه بأرسطو، الذي أمره أن يدخل الفلسفة اليونانية لدار الإسلام. وفي حقيقة الأمر، كل ما كان يبتغيه المامون هو محاربة أعدائه وخصومه السياسيين.
ومازلت أذكر أيضا قبل سنة ونصف، كان وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة قد اعترف في إحدى الندوات الصحفية في مدينة الرباط أنه من عشاق أفلام «المقيتلي» التي يشاهدها قبل النوم! وربما ذلك هو التعبير العفوي للوزير ليقول إنه يحب أفلام الحركة و"الأكسيون". تلك جرعة من السينما الخالصة يأخذها الوزير من عمالقة هذا "النمط الإبداعي" ك"استيفان سيغال" و"جاكي شان" والمعتوه "فان دام".
لكن ما الذي يجعل من عاشق لأفلام الدرجة الرابعة و "سيري بي"، يتحول بقدرة قادر إلى عاشق للسينما، وينافس الإخوة "لوميار" في حبها والولع بها؟ ربما راود الوزير حلم قض مضجعه كذلك الذي راود المامون، حينما أراد أن يخوض معاركه السياسة وحروبه الصغيرة والكبيرة أيضا.
لقد "وقف عليه سيدنا بيرتولوتشي" في الحلم وأمره أن يدخل السينما للمغرب الأقصى، ويجعل من تطوان مهد الإشعاع السينمائي. ولم يقف الحلم عند هذا الحد، يقال إن الوزير أنشأ شركة للإنتاج السينمائي أيضاً. وربما نسمع غدا أو بعد غد أنه أصبح مخرج أفلام لينساق هو أيضا مع موجة مخرجي آخر زمن.
هذا ما رأيناه ورآه الوزير في المنام أيضاً .. والله أعلم.

وماذا بعد؟
لا يسعنا سوى أن نستخلص أن جبل مؤسسة مهرجان تطوان الدولي تمخض فولد فأرا! لقد أراد رئيس المؤسسة أن يكون المهرجان أكثر إثارة وأقل راديكالية وإذا به أصبح أكثر تفاهة وأقل قيمة سينمائية. لقد تحول مهرجان تطوان لحدث بلا مجد، لأن سمعة المهرجان لا يصنعها فنانو السياحة الثقافية. فالنجوم الحقيقيون لن يأتوا لمهرجان تطوان لأن سجادا أحمر ممدود لهم من المطار إلى سينما إسبانيول، بل ما يجذبهم هو سمعة المهرجان وتراكماته ونجاحاته.
من الآن علينا أن لا نستاء إذا نعت الآخرون مهرجان تطوان بأنه سيء السمعة، فحاشية المهرجان سخرت كل جهدها من أجل ذلك، ولم تفلح سوى في إحضار فنان واحد نصف مشهور هو فاروق الفيشاوي الذي لطخت سمعته بقضية ابنه الذي رفضت عائلة الفيشاوي الاعتراف بأبوته لطفلة صغيرة، ف"جرجرتهم" للمحاكم فيما عرف في السابق بقضية هند الحناوي.
للأسف الشديد مهرجان تطوان صورة بشعة لاجتذاب المرتزقة من كل أنحاء دول المتوسط، لضمان توالي "العراضات" وتدفق "العزومات" وتبادل النفاق والدعوات، من خلال قيم التملق ومبدأ "شيلني وشيلك"، وخصوصا رد الجميل المصري الذي تحدثنا عنه من قبل!
إن ما يأتي بالفنانين الحقيقيين هو قطع المهرجان مع المحسوبية والزبونية والسياحة الفنية. وللأسف الشديد فإن سمعة مهرجان تطوان من سمعة السينما المغربية، وما يراكمه أشخاص بالدم والعرق يهدره آخرون بالنزق والخفة والاستسهال.
جمال الخنوسي
jamal2sn@hotmail.com

هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف2:05 م

    العزيز جمال
    قرات بمحبة تقريرك حول مهرجان تطوان المهزلة
    اشكرك على الامداد ولا يسعني الا ان اتمنى للمهرجان قفزة نوعية تنسي هذه السقطة النوعية ايضا
    لك مودتي
    عزيز باكوش"

    ردحذف