14‏/06‏/2007

"Mais.. encore"



"Mais.. encore"
برنامج يراهن على احترام ذكاء المشاهد
لست أدري لماذا يجعلني برنامج "Mais.. encore" الذي تقدمه القناة الثانية، أفكر في البرنامج الفرنسي "حساء المعرفة"· ولماذا يدفعني مقدمه "حميد برادة" إلى استحضار مقدم أشهر برنامج ثقافي في فرنسا بيرنار بيفو، مع أن الاختلاف واضح بين الرجلين والبرنامجين على السواء· وماضي بيفو ليس هو ماضي حميد برادة المشاكس ولا حنكة بيفو التلفزيونية تشبه برادة المرتبط بالقلم أكثر فأكثر· لكن كلا الرجلين يلتقيان في أنهما استطاعا مصالحة التلفزيون مع الثقافة والمعرفة الرصينة· لقد جعلا من التلفزيون باعتباره أداة ترفيهية صرفة تتميز بسمعة سيئة ارتباطا بكل ماهو معرفي، وسيلة للتثقيف والتفكير والتأمل·
"Mais.. encore" هو في حقيقة الأمر برنامج من فلتات هذا الزمن العجيب في القناة العجيبة· أخيرا أصبح في القناة الثانية برنامج يحترمنا ويحترم ذكاءنا· برنامج ابتعد عن لغة الخشب وابتدع له لغة خاصة ومنهجا متفردا· هو برنامج يدفعك للتأمل والتفكير وينقل المشاهد من المتلقي المتبلد إلى مصاف المشاهد المحترم الذي يعي، ويفكر ويأخذ موقفا·
ما يميز البرنامج أيضا أنه يبتعد عن كل ما هو بدائي وعادي ويطرح بشكل متنور قضايا ومواضيع تطمح إلى التنوير لا إلى التضبيع والتبليد· إذ يطرح برادة الأسئلة التي تدور في خلدنا جميعا، يباغت الضيف بتلك الأسئلة التي كنت على وشك طرحها· لأنه برنامج لا يخاف السؤال ويمتعه بالأهمية نفسها التي للجواب· فيصبح للمحاور الدور المركزي نفسه الذي للضيف، بعيدا عن التواطؤ ولغة الخشب· وزادت دقة اختيار ضيوف مميزين من عائشة الشنة إلى محمد طوزي مرورا بإيبير فيدرين وليلى شهيد، في تكريس نمط البرنامج الخاص والدقيق·
من جهة أخرى لن ندع الفرصة تفوت دون أن ننوه بخيار القناة، ما لله لله وما لقيصر لقيصر، بخوضها مغامرة برمجة مادة ثقافية وحوارية، في البرايم تايم· وهو "انحياز إيجابي" يتمتع به حميد برادة ونحن ندعمه بكل أنواع التأشير وأشكال المساندة، مادام الرجل يقدم منتوجا ثقافية دسما وبرنامجا بمستوى رفيع· صحيح أنه برنامج ينعت ب "النخبوي" لكنه مع ذلك يقترب من المشاهد "العادي"· أوليس للمشاهد العادي الحق في ممارسة التفكير والتأمل في قضاياه ضدا على تيار الإسفاف الذي يسلك الطريق السهل، "ويسقط" في مستوى "العوام" حتى لا نقول الحضيض أو السفاهة·Mais .. encore برنامج يقترب منك دون أن يسقطك في هوة التضبيع وفخ الابتذال، لأنه يرقى بك وبذوقك، ننصحك بمشاهدته (على الأرجح) في أول أربعاء من كل شهر حتى تزول عنك غمة برامج التضبيع، وكبسولات البلادة المزمنة·
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق