21‏/03‏/2007

ملائكة بولان .. وشياطينه


ملائكة بولان .. وشياطينه

لكل شاعر شيطانه، كما كان يقال في العصر الجاهلي، العصر الذهبي للشعر العربي. وربما لكل سينمائي شيطانه أيضاً، يزوره في منتصف الليل، يلهمه المشاهد وزوايا التصوير بدل الأبيات والقوافي.
شيطان المخرج المغربي أحمد بولان ليس ككل الشياطين، لم يحط نفسه بجماعة من الكهان والمذنبين. بل هو محفوف بجماعة مكونة من 14 ملاكا. صنع من خلال قصتهم فيلما بعنوان «ملائكة الشيطان».
لقد قيل حتى الآن الكثير عن الفيلم وصاحبه ذي الشخصية "الغريبة". (أحمد بولان بوليميك بوحدو!) كما يهمس بذلك الكثيرون. لكن أريد فقط أن ألفت الانتباه للموقف الشجاع الذي تميز به بولان عن الكثيرين الذين يتميز طرحهم بالخجل والتكتم والانبطاحية.
سنكون لا محالة مجحفين في حق بولان إذا اعتبرنا فيلمه يروم التوثيق للقصة الحقيقية، أو اعتباره فيلماً تسجيلياً، أو على أقل تقدير مستوحى من قضية حقيقية. إن بولان استعمل قصة مثلها مثل مئات القصص التي نراها كل يوم، ونعايشها كل يوم، والتي ترسم ملامح التهديد الذي سيعصف بنا نحو المجهول، وترسم ملامح وجه بشع للتطرف والظلامية.
إن قصة الموسيقيين الشباب، مثلها مثل جميع مظاهر الفن والجمال التي يتربص بها «المتأسلمون» ، وكل تيارات التطرف الديني، ويجعلونها لعبة تتأرجح بين الأبيض والأسود، الخير والشر والحلال والحرام.
يرصد بولان بكثير من الشجاعة، من خلال «ملائكة الشيطان» مظاهر الزحف الظلامي وسط صمت مخيف، وما يفكر فيه ثلة من المثقفين ويهمهمون به في صمت، استطاع بولان أن يجهر به بصوت عال وصدر مكشوف وكلمات واضحة.
ربما سيقول البعض إن بولان يحكي قصة نعرفها جميعاً، أوليس الإبداع يكمن في سرد قصة مهما كانت تفاصيلها معروفة؟ السينما تكسب جماليتها في طريقة الحكي وجمالية السرد. وهنا تدخل عبقرية كل فنان ومهارته في توظيف موهبته وأدواته. صحيح أن فيلم "ملائكة الشيطان" لم يركز على شخصية معينة يتعاطف معها المشاهد، وهو ما دفع للإحساس بنوع من التيه والغربة. لكن في المقابل ركز على رصد ملامح "ديمقراطية" عابرة ومعاقة بفعل سلطة الظلاميين والمتطرفين.
في الحقيقة "ملائكة شيطان" ليس فيلماً حول الموسيقى أو 14 موسيقياً. بل هو نقل لتحول مازال يبحث له عن مسلك أو طريق واضح، يضع عنه ومن خلاله، الإرث الثقيل الذي يحمله، ويعيق التحول الذي هو مصدر خوف حقيقي، تدعمه قوى الظلام التي تعيد كل الأمور إلى درجة الصفر.
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق