25‏/10‏/2009

الديكة تشرب الخمر والأسود تدخن الشيشة

حكايات وشخوص من عالم الحيوان لم تخطر قط على بال ابن المقفع في رائعته "كليلة ودمنة"

شاع منذ زمن بعيد خبر غاية في الغرابة، وتناقل "العادي والبادي" نبأ من العجب العجاب الذي لم يرد قط في كتاب، إذ يحكي عن أسود مولعة بتدخين الشيشة، ومداعبة أنبوبها المطاطي الرخو واللعب بلهيب جمراتها التي تزداد حمرة مع كل "نثرة"، ونفث دخانها الكثيف الذي يملأ العرين سحبا بنكهات الفواكه.
وربما هذه أول مرة أكتشف، في ذهول، أن الأسود بدورها "تضرب" الشيشة "ضربا"، ومولعة بطقوسها العريقة القادمة من فيافي الخليج والشام، بعد أن بلغني في وقت سابق حكاية ديك شهير كان "يضرب الروج" في حانة معروفة وسط الدار البيضاء ويلح على اقتسام كؤوس النبيذ المعتق إلحاحا، مع زوار منتصف الليل، ويصر على مزاحمة الزبائن الأوائل، ومعاقرة الرعيل الأخير من السكارى دون ملل أو كلل.
ورغم أن "البلية صعيبة" و"الويسكي تايغدر" كما يقول الفنان الشعبي، واظب الديك على مدى أشهر عدة على الصياح مع تباشير كل فجر إيذانا بيوم جديد احتراما لنواميس الطبيعة. ولم تكن مواظبته نابعة من حرصه على الوقت وتشبثه بالقيام بواجبه، وإنما ارتبطت أساسا بتزجية الديك ساعات الليل في السكر والعربدة حتى مطلع الفجر، إذ يؤدي صيحة أو صيحتين مع خيوط النور الأولى، ويخلد إلى النوم جاعلا من الليل نهارا ومن النهار ليلا.
وربما مثل هذه الحكايات والشخوص الحيوانية العجيبة لم تخطر قط على بال ابن المقفع، وإلا كان زين بها حكاياته الممتعة التي أطلق عليها اسم "كليلة ودمنة". وكما أتحفنا بقصص القرد والحمار وابن آوى والعرس، كان عليه أن يحكي لنا قصة "الديك النطاح" و"الأسود المشيشة". فالديكة لا "تضرب الطاسة" فحسب، بل علمتنا المنافسات الرياضية أنها تنطح أحيانا بدل "النقب"، والكل ما زال يذكر حكاية الديك المنفوش المدعو زين الدين زيدان الذي "حمات فيه البيضة"، ونطح اللاعب الايطالي "ماتيرازي" وأرداه طريح العشب، وكانت سخونة دم الديك ذي الأصول الجزائرية أحد أسباب ضياع كأس العالم من فرنسا في المباراة النهائية سنة 2006.
أما قصة "الأسود المشيشة"، فهي في حقيقة الأمر قصة بعض لاعبي كرة القدم وخصوصا في المنتخب الوطني حتى أن مجموعة منهم أظهرها شريط فيديو على موقع "يوتوب" الشهير يدخنون الشيشة عشية مباراة ودية بالديار الفرنسية.
وفي الحقيقة، فإن الذنب ليس ذنبنا نحن بسيطي الفهم أو ذوي الثقافة الرياضية السطحية، بل اللوم كل اللوم يقع على عاتق الزملاء في الصحافة الرياضية الذين لا يكتبون عن منتخبات كرة القدم سوى بألقابها الغريبة التي حيرت القارئ وأفحمت ابن المقفع، مثل فهود منتخب غانا، وسناجب منتخب بينين، وفيلة منتخب كوت ديوفوار، ونسور منتخب نيجيريا، والأسود غير المروضة لمنتخب الكاميرون، أما أسودنا نحن فتلك حكاية أخرى عنوانها الشيشة والهزيمة.
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق