25‏/02‏/2010

وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يقدم درسا بليغا في "فن النجارة"

تحدث لغة خشب غير مسبوقة وتهرب من تحديد المسؤولية في كارثة مكناس

يستحق أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الميدالية الذهبية في النجارة وإبداعات الأرابيسك وتطويع الكلام الفارغ. فمؤلف "جارات أبي موسى" أبان ليلة أول أمس (الثلاثاء)، في برنامج "حوار"، عن جدارة وحرفية كبيرة في لغة الخشب والحديث الذي لا يقول شيئا. وعلى مدى الوقت الطويل للبرنامج الحواري نحت السيد الوزير من الكلام ما يستحق به لقب "الوزير النجار" عن جدارة واستحقاق (كما يقول الزملاء في التعليق الرياضي)
لقد كانت الحلقة التلفزيونية فضيحة حقيقية بجميع المقاييس، وأصبح أستوديو التصوير معرضا لفن "الموشارابيا" و"االأرابيسك" لا يمكن أن نشهد لها مثيلا إلا في جمهوريات الموز حيث يتحدث الجنرالات الوزراء لغة الدم والموت والإبادة بلا حياء. أما في تلفزيوننا العظيم فقد شهدنا، والحمد لله، وزيرا يذر الرماد في عيون أكثر من 30 مليون مغربي ينتظرون الجواب على سؤال محوري واحد ووحيد: من المسؤول عن فاجعة سقوط مسجد بمكناس عمره 300 سنة ووفاة 41 مواطنا؟
ولأن الرجل لم يكن مقنعا بالمرة، بل تهرب وراوغ وزاغ يمينا وشمالا، فقد تعاقب الحاضرون على طرح السؤال نفسه دون جواب شاف ومفيد، وبدل ذلك حصل المشاهدون على غابة أمزونية من لغة الخشب وإسهال حاد في الكلام فاحت راحته وأزكم الأنوف.
منذ البداية حاول الوزير النجار أن يخلط الأوراق، ويشوش على الأذهان، ويخنق القلوب الحانقة بإقحام الديني مع الدنيوي، وأوقف المسار العادي للبرنامج من أجل قراءة الفاتحة على أرواح "الشهداء"، الذين طلبهم الله إلى جواره أو بلغة الوزير "قضى الله أن يلتحقوا به". إنها لعبة المقدس التي تجعل الكارثة والفاجعة تتحول إلى قضاء وقدر، وتقلب ضحايا التهور إلى "شهداء"، وتجعل من الاستهتار البشري مشيئة إلاهية، لأنه "لا راد لمشيئة الله" وما على عائلات الضحايا سوى القول على هوى الوزير النجار "إذا أصابتنا مصيبة نقول إنا لله وإنا إليه راجعون".
إن حلقة برنامج "حوار" كانت استثنائية بكل المقاييس، ففي الوقت الذي يبث فيه البرنامج مرتين في الشهر فرضت كارثة مسجد خناثة بن بكار بباب البردعاين، حلقة خاصة تميز فيها مصطفى العلوي بشراسة محمودة في مواجهة الوزير النجار بعد أن أحس مقدم البرنامج أنه سيفسد الحلقة بإفراطه الزائد في لغة الخشب وسيهدر سمعة بناها الرجل منذ سنوات. وخلافا لحلقات أخرى كان يتسابق فيها الوزراء والزعماء ل"التبناد" أمام الكاميرات، غاب جميعهم هذه المرة، فلم يرد أحد أن يربط صورته بصور الكارثة، وكأنهم أحسوا أن الرجل يغرق، ومن الأحسن للجميع أن يغرق وحيدا، دون أن يجر معه ضحايا جددا، أعني شهداء جددا. فامتلأت الصفوف بكرنفال من الجلابيب واللحى والطرابيش والمناديل، فوجد مولاي مصطفى نفسه في مشيخة حج إليها المريدون ل"شرب" الصنعة من المعلم الكبير.
اسمح لي سيدي الوزير أن أقول لكم إن ما حدث في مكناس ليس قضاء ولا قدرا، بل اسمه الحقيقي "الإهمال" ويجب أن ينزل القصاص بالمهملين والمتسيبين والمفسدين أينما كانوا ومن كانوا.
واسمح لي أن أقول لكم أيضا إنه في البلدان المتحضرة والديمقراطية يستقيل الوزير المسؤول عندما تقتل فيها النفس البشرية بلا حق، أو تحدث كارثة أقل بكثير من كارثة مكناس، احتراما له واحتراما لعائلات الضحايا الشهداء، ولا يظهر بطلته البهية في التلفزيون وتخصص له ساعة ونصف من البث ليقول الخزعبلات ويراوغ يمينا وشمالا كأنه بودربالة زمانه.
"ارحل"، كما قال الشاعر، "الآن ارحل ... بلا تحية أو وداع... ارحل وعارك بين يديك".
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق