30‏/10‏/2012

بنكيران ينتصر في الجولة الأخيرة من معركة دفاتر التحملات

علمت "الصباح" أن المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري صادق على النسخة الجديدة من دفاتر تحملات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون وشركة صورياد دوزيم، الأربعاء الماضي، وسط تكتم شديد.
وذكرت مصادر مطلعة أن تستر المجلس على مصادقته على الدفاتر الشهيرة دليل على الارتباك الذي يسود بين أعضائه بسبب عدم تمكنه من "إدخال أي تعديل على بنود النسخة الثانية" بعد "التسويق" الخاطئ لأدوار ليست من اختصاصه أو لا يمنحها له القانون أصلا.
وكشفت مصادر مطلعة ل"الصباح" أن الرد القوي لرئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، على مذكرة المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري كان عنيفا جدا، وذا مرتكزات قانونية صارمة حسمت في النقاش الدائر بين الطرفين، والذي انتهى لصالح رئيس الحكومة الذي انتفض ضد "ربح الوقت" وخير المجلس بين المصادقة على الدفاتر أو رفضها إذا ما توفر لديه سند قانوني لذلك، وامتنع المجلس عن الرد على ما جاء في الرسالة الأخيرة لزعيم الحكومة الملتحية التي وصفت بأنها "شديدة لهجة".
وتباحث مجلس الحكومة الذي انعقد صباح يوم أمس (الاثنين)، في الموضوع لتقطع الدفاتر طريقها القانوني نحو الأمانة العامة للحكومة وتدخل حيز التنفيذ الرسمي فور نشرها في الجريدة الرسمية.
وقالت مصادر "الصباح" إن صرامة بنكيران سحبت البساط تحت أقدام أعضاء المجلس الذين وجدوا أنفسهم وسط دوامة لا تنتهي، وأغلقت جميع أبواب "التأويل القانوني" الذي كان بعض أعضاء المجلس يتوسلونه للتسلل خارج عنق الزجاجة. 
وتبدو الهيأة في وضع حرج جدا لأنها لن تتمكن من تبرير على الأقل ثلاث نقط جوهرية: أولا تفسير أسباب هذا التأخير الكبير في التعامل مع دفاتر التحملات الذي أصبح غير مبرر بالنظر إلى عدم تمكن المجلس من إدخال تعديلات.
ثانيا المصادقة المزدوجة على نسختين من دفاتر تحملات في ستة أشهر وبالتشكيلة ذاتها تقريبا (إذا ما استثنينا رئيسة المجلس أمينة لمريني الوهابي والمدير العام جمال الدين الناجي)، وبالتالي لم يبرر المجلس مصادقته الأولى ولا تشبثه بها، وانتقاله إلى دفاتر معدلة وسط وضع قانوني شاذ بعدما صادق على النص الأصلي في مارس الماضي على عهد أحمد الغزلي. وثالثا، أي تبرير معقول يمكن أن يعطى للإقالة المفاجئة لأحمد الغزلي، الرئيس السابق للهيأة العليا للاتصال السمعي البصري ومديره العام، نوفل الرغاي، اللذين انخرطا قبل الإطاحة بهما في مجموعة من الأوراش الكبرى تم تأجيل التداول فيها بفعل موقعة دفاتر التحملات (من يتحدث اليوم عن تراخيص القنوات التلفزيونية الخاصة؟ من يتحدث عن مستقبل وتنظيم وتقنين التلفزيون الرقمي الأرضي؟...).   
وقالت المصادر ذاتها إن أعضاء المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري وجدوا أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه، إذ حملت هذه الدفاتر أكثر مما تحتمل، لدرجة أن البعض اختزل فيها كل النقاشات الدستورية المرتبطة بالخيارات المجتمعية الكبرى مثل الهوية والدين... بشكل متعمد إما لتصفية حسابات جانبية وإما لتحويل النقاش عن المواضيع الأساسية المتعلقة ببعض طابوهات التدبير الإعلامي مثل الإنتاج والحكامة الداخلية، وطلبات العروض، ولجان الانتقاء، واللجنة الاستشارية لأخلاقيات البرامج... في وقت لم يكن النقاش حول دفاتر تحملات سنتي 2006 و2009 يتجاوز عدد المشرفين عليها والمصادقين على بنودها.
وقالت مصادر أخرى إن الهيأة تدفع اليوم ثمن تسييس قضية دفاتر التحملات التي خرجت عن سياقها الإعلامي الصرف إلى ساحة لحسم الخلافات السياسوية. وأن المصادقة "الباردة" جاءت لتفادي تصادم سياسي بين مؤسستين دستوريتين، لكل منهما مجال اشتغاله بشكل مستقل عن الآخر.
جمال الخنوسي