06‏/04‏/2006


بعد محمد الماغوط جاء دور عبد السلام العجيلي للرحيل
"طالما أنكرت على نفسي الصفة الأدبية، بغرض الاحتفاظ بصفتي كهاو"
هناك مبدعون ترتبط أسماؤهم بمدنهم و لا تفارقها للأبد . و التي تكون في غالب الأحيان مكان ولادتهم. فنجد نجيب محفوظ ارتبط ذكره بالقاهرة و محمد شكري بطنجة و محمد زفزاف بالدار البيضاء. أما الكاتب الذي رحل عنا فهو ابن مدينة الرقة السورية التي تقع في الشمال الشرقي للبلاد علي شاطئ الفرات.
في أقل من أسبوع نودع أديبان سوريان و عربيان من العيار الثقيل . بعد محمد الماغوط جاء دور عبد السلام العجيلي .. و يستمر النزيف .. نزيف مبدعي هذا الوطن الكبير و لسوء الحظ يلا خلف أو وريث يذكر
كانت أول قصة ينشرها عبد السلام العجيلي يعود تاريخها الى عام 1936 أي قبل سبعين سنة. قصة تنطق بالرقة ينطلق من الرقة و تدل على أن الشاب اليافع سيكون له باع كبير في الأدب . عشق السفر مبكرا وجاب الدنيا وأنجز عددا هاما من كتب الرحلات التي تشكل مرجعا مهما كما أن هذه الرحلات شكلت موضوعات لأهم قصصه ورواياته لاحقا. تخرج العجيلي من كلية الطب في دمشق عام 1945 وعاد الي مدينته ليفتتح فيها عيادته ولم ينقلها الى أي مدينة أخرى. اعترافا بجميل هذه المدينة عليه وردا لجميلها. و حتى القصص التي ينشرها في المجلات الأدبية المعروفة مثل (الآداب) اللبنانية يذيلها باسم مدينته. ومن الرقة أيضا رشح للنيابة ففاز بها أكثر من مرة كما شغل لاحقا منصبين وزاريين هما الخارجية والثقافة. كانت الرقة المحطة والمرفأ له، رغم بعدها عن العاصمة التي جلب نداؤها جل مبدعي الأطراف والقوى البعيدة إلا العجيلي فكان استثناء.
يذكر العجيلي في الأحاديث التي تجري معه أن الادب بالنسبة له هواية ولكنه مع هذا أنجز فيه أكثر من خمسة وأربعين كتابا جمع فيها حصيلة ما عاشه وما رآه ولخص في هذه الكتب تجربته في الحياة والسياسة والطب.
وفي بداية حياته السياسية التي سارت بموازاة ممارسته للطب وفوزه بالبرلمان مرشحا عن مدينة الرقة استقال من عضوية البرلمان ليلتحق بجيش الانقاذ طبيبا جراحا وذلك في عام 1948 دفاعا عن فلسطين.
أصدر العجيلي أول مجموعة قصصية كانت بعنوان بنت الساحرة في عام 1948 وله ديوان شعري وحيد عنوانه الليالي والنجوم وصدر عام 1951 والكتابان صدرا في بيروت التي ستبقي مستحوذة على إصدار أبرز مؤلفاته وبعدها دمشق.
ومن بين مجموعاته القصصية التي يذكرها القراء والمتابعون بقوة: قناديل اشبيلية 1956، الخيل والنساء 1965.
أما من رواياته فنذكر: باسمة بين الدموع 1959، المغمورون 1979، و قلوب على الاسلاك 1974.
العجيلي لم يهمل الدور السياسي الذي قام به ولذا أصدر كتابا في جزءين وعلى درجة بالغة من الأهمية هو ذكريات أيام السياسة والكتاب هذا هو من آخر إصداراته في بداية الألفية الثالثة
.
يقول العجيلي في أخر حواراته حول علاقته بالأدب : " أفهم الهواية على أنها نشاط ثانوي في حياة الإنسان، جانب المتعة فيه أكثر من جانب الفائدة، يأتي بعد النشاط الرئيسي الذي ينفق فيه الإنسان أكثر وقته والذي يستمد منه قوام معيشته ويوليه أكثر اهتمامه. نشاطي الرئيسي في حياتي ليس للأدب. يتقدم عليه عملي كطبيب الذي يستهلك كل ساعات نهاري وبعضاً من ساعات الليل والذي أعتمد عليه كمورد رزق أساسي لي. واهتمامي بعملي الطبي يفوق بكثير اهتمامي بالأدب، كما أن تقديري الشخصي للطب كفن يعتمد على علوم حقيقية يفوق تقديري للأدب. ليس الطب وحده الذي يتقدم على الأدب في مقاربتي إياه. هناك واجبات اجتماعية أجد أن تأديتها تأخذ الأولوية على الإنصراف إلى الإنتاج الأدبي في حياتي. وهناك الأسفار التي إذا أتيحت لي مناسباتها فإني أعطيها الأولوية أيضاً في الإنصراف إليها. ومثلها أيضاً ما تضطرني الظروف إليه من العمل في مجال السياسة أحياناً، فأبتعد في زمن هذا العمل عن الأدب ابتعاداً شبه تام.
كل هذا الذي ذكرته يبين أن تأكيدي على أن علاقتي بالأدب هي علاقة هواية يرتكز على واقع محقق. ما تشير إليه من اسمي كأديب، أو أن إنتاجي كأديب، قد ترجم إلى لغات متعددة، لا ينفي صفة الهواية عني. ذلك لأني لست أنا الذي سعى إلى جعل اسمي وإنتاجي معروفين في الأوساط الأدبية، العربية منها والأجنبية، لأكون مسؤولاً عن حشر نفسي في عداد محترفي الأدب. بل إني طالما كتبت بأسماء مستعارة، وطالما تهربت من الانضمام إلى التجمعات الأدبية، وطالما أنكرت على نفسي الصفة الأدبية، بغرض الاحتفاظ بصفتي كهاو. ولكن الآخرين هم الذين تكلفوا التعريف بي وسعوا إلى ترجمة أعمالي، وهم الذين قدموا الصفة الأدبية على كل صفاتي الأخرى بدون استشارتي، بل إني أقول لك إنهم فعلوا ذلك بدون رضاي.
أما غزارة إنتاجي الأدبي، وهي الموحية لمن لا يعرف طباعي وصفاتي الشخصية بأني كاتب محترف، أما هذه الغزارة فإنها تعود إلى سهولة الكتابة في الأدب عندي. لدي، على الدوام كثير مما يستحق أن يقال وما أريد القول فيه، وأداة الإبداع الفني، من خيال وأفكار وقدرة على التعبير، متوفرة عندي. فلا يلزمني إلا القليل من الوقت لإنجاز ما يحتاج كثيرون سواي إلى وقت طويل لإنجازه. بل إن اهتماماتي الرئيسية الأخرى التي قلت إن لها الأولوية على الأدب تزودني، بما أكتسبه في الوقت الطويل الذي أنفقه في ممارستها، بمادة للأدب الذي أنتجه في ما أبقته لي تلك الممارسة من وقت قليل.
إذن، وعلى الرغم من كل ما يظن بي من احتراف للأدب، أظل على تأكيدي بأني كنت ولا أزال فيه مجرد هاو، هواية سامية ولا شك أقد قيمتها وأسعى إلى أن أحسن الإبداع فيها. غير أن الهواية تبقى عندي نشاطاً ثانوياً، أنصرف إليه حين أفرغ من نشاطاتي الأخرى وبعد أن أنجز ما يترتب علي من واجبات في تلك النشاطات الأخرى."

هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف8:43 م

    مساء الخير اسمي حبيبة وعمري16سنة اقطن بايت اسحاق اقليم خنيفرة انامن المعجبين بسامية اقريو واتمنى ان امثل معكي وبتمنى لكي التوفيق في حياتك
    HTML

    ردحذف