23‏/08‏/2010

بين "جماعة" الإخوان في مصر و"جماعة" التلفزيون في المغرب

تعرض القنوات المصرية منذ بداية شهر رمضان عملا تلفزيونيا ضخما ومسلسلا مثيرا للجدل يحمل عنوان "الجماعة".
ويحكي المسلسل الذي كتبه وحيد حامد وأخرجه محمد ياسين، تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في مصر مستعرضا نشأتها وسيرة مؤسسها الراحل حسن البنا، كما تشير حلقاته الأولى إلى أحداث جرت في 2005 تعكس سعي الجماعة إلى قلب نظام الحكم ومحاولات الوصول إلى السلطة.
وأظهر المسلسل من جديد تفوق الدراما المصرية وعودتها القوية إلى الساحة العربية بعد أن نافستها في وقت سابق زميلتها السورية على كرسي الريادة.
وحتى لا نكون مجحفين في حق أنفسنا وفي حق تلفزيوننا، لن نجري أي مقارنة بين القيمة الفنية لهذا العمل وما نشاهده في شاشتنا الصغيرة لأن مصر لها تقاليد عريقة في التلفزيون ولها إرث وتقاليد في الإنتاج الدرامي، فيما تلفزيوننا مازال يشق خطواته الأولى التي تصيب وتخيب.
إلا أن من الضروري الإشارة إلى تقليد عجيب ترسخ في ذهنية التلفزيون المغربي، وغدا طقسا مقدسا لا يمكن أن يحيد عنه. والحديث هنا عن برمجة المنتوج الفكاهي في وقت الذروة كسنة غير حميدة أثبت التلفزيون المصري عدم صحتها ببرمجة "الجماعة". فقد تمكن هذا العمل الدرامي الرصين من جذب نسب كبيرة من المشاهدين داخل مصر وخارجها، وشهدت القنوات العارضة له إقبالا كبيرا من طرف المستشهرين وحقق بالتالي مداخيل مالية مهمة، إذ تمكن من جذب أكبر عدد من المعلنين منذ اليوم الأول من عرضه، وتفوق على المسلسلات الأخرى بما مجموعه 11 وصلة إشهارية في الحلقة الواحدة متفوقا على منافسيه. إنه مثال صارخ عن نجاح التوازن بين العمل الفني الراقي والمنطق الربحي الذي يحكم التلفزيون.
أكثر من هذا، فإن فائدة من نوع آخر قطفها النظام المصري من خلال مسلسل "الجماعة" يمكن أن ننعتها ب"ضربة معلم"، كما يقولون، لأن المسلسل نقد لاذع لجماعة الإخوان والفكر المتطرف الذي تحاربه مصر، بل من أنصار الجماعة من ذهب بعيدا بالقول إن هذا العمل التلفزيوني يقصد تشويه صورة الإخوان قبيل الانتخابات، لأن الحكومة دفعت 40 مليون جنيه (حوالي ستة ملايير سنتيم) من أجل عرضه، يعني أن الفائدة عامة وشاملة.
أما في تلفزيوننا نصر سنويا على برمجة فكاهية أثبتت إخفاقها وعدم نجاعتها، دون أن نفكر لحظة واحدة في تغيير هذا "القضاء والقدر".
إن ما حدث مع مسلسل الجماعة" هو وصفة ليست مستحيلة تستفيد منها جميع الأطراف، ابتداء من جعل المشاهد في قلب المعادلة والسعي إلى إرضائه، مرورا بتحقيق مداخيل مالية مهمة تضمن للمحطة الاستمرار والقدرة على الإنتاج، ووصولا إلى تقديم المضمون الهادف الذي يناقش القضايا الشائكة والمعضلات المجتمعية المصيرية. إنها خطوة بسيطة تتطلب بعضا من الابتكار والتجديد، وقليلا من المغامرة، وكثيرا من الرغبة في التغيير والمراهنة على الكفاءات، بدل منطق "باك صاحبي"، والخوف من قلع الجلد القديم المهترئ. والله يصلح الجميع.
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق