15‏/08‏/2010

أمستردام مدينة فخورة بعاهراتها


كان من الطبيعي أن أسأل سائق سيارة الأجرة التي تنقلني من مطار "شيبول" الدولي إلى قلب مدينة أمستردام، عن أحسن الأماكن التي يمكن زيارتها في هولندا وفي العاصمة على الخصوص. ودون تفكير أو تردد أجاب السائق الأنيق ذو البذلة السوداء بصوت رصين: "راد لايت ديستريكت" أو "حي النور الأحمر".
أحس الرجل أني لم أفهم شيئا مما يقول، فأضاف موضحا دون أن يفقد شيئا من جديته أو سحنته الوقورة إن "راد لايت ديستريكت" هو حي خاص بالعاملات في الجنس. واسترسل الرجل في التوضيح والإيضاح، وكأنه يتحدث عن معلمة تاريخية، أو معرض فني، أو متحف من المتاحف الجميلة التي تعج بها البلاد.
هذا الحي يغطي مساحة كبيرة من أقدم جزء في المدينة، حيث تجلس عاملات الجنس عاريات إلا من بعض الاكسسوارات الخفيفة والملابس الداخلية الشفافة وراء واجهات زجاجية ينتظرن الزبناء تحت أضواء حمراء.
ويعود تاريخ "حي النور الأحمر" إلى القرن 14 عندما كان البحارة يصلون إلى المدينة وهم متلهفون إلى الجنس ومرافقة النساء بعد قضائهم مدة طويلة في البحر. وبقي هذا الحي على حاله إلى الآن، فغدا معلمة سياحية تضرب جذورها في قلب التاريخ.
وكما هو الحال قديما يحل اليوم بهذا الحي ذائع الصيت، سياح وزبائن من كل أنحاء العالم، إذ أن شهرته تعدت حدود أوربا، كما أن هولندا غدت معروفة بطريقة تدبيرها للدعارة وبتقنين استهلاك الحشيش.
ويضم الحي منطقة كاملة من محلات الجنس والمواخير والحانات ودور السينما والفنادق وأنواع مختلفة من المتاحف، ومرافق خاصة بكل الأصناف والخيارات الجنسية من مثليين ومتحولين وسحاقيات...
ويتدفق على الحي سنويا الملايين من السياح الذي يدرون على خزينة المملكة ملايين الأورو، من أجل زيارة الحي المثير النابض بالحياة، ورؤية أكثر من 250 واجهة زجاجية تعج بأجمل الفتيات أغلبهن من أوربا الشرقية.
وتبلغ مداخيل الدولة من الدعارة أكثر من 50 مليون أورو سنويا (600 مليون درهم)، إذ تدفع عاملات الجنس 19 في المائة من دخولهن بعد أن أصدر البرلمان قانونا يبيح الدعارة سنة 2000.
وتمنح عاملات الجنس عروضا متنوعة في الشكل والمظهر بين السمراء والشقراء والطويلة والقصيرة والنحيفة والممتلئة، وفتيات متحدرات من أصول مختلفة كالإفريقيات والهنغاريات والهنديات والآسيويات، إضافة إلى المتحولين والمخنثين والساديات والمازوشيات.
لكن من الصعب العثور على مغربيات في هذه المنطقة إذ "يستحين" من الجلوس في الواجهات الزجاجية، كما يفضلن عدم الإفصاح عن هويتهن والتستر وراء جنسيات أخرى، إلا أنهن موجودات أكثر في الحي الشهير داخل النوادي والحانات.
وعلى الرغم من أن "راد لايت ديستريكت" يعج بوسائل الترفيه "الخاصة بالكبار فقط"، إلا أن الهولنديين يتعاملون معه بصفته "مجرد مصدر للجذب السياحي"، إذ أن هذا الحي يضم مباني تعود إلى أكثر من 300 سنة وعقارات فاخرة باهظة الثمن، ومنازل للأطباء والمحامين والكثير من العائلات الميسورة والمتوسطة التي تشكل مجتمعا متسامحا، حيث الحرية محل تقدير كبير، وقيم التسامح تجمع كل الشرائح.
جمال الخنوسي (أمستردام)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق