10‏/08‏/2011

الأولى تشيع التلفزيون ب"صوت البكا"


إذا كان العمل الفني يثير النشوة لدى المتلقي، والرغبة في النقد وعرض القراءات المتعددة لدى المختص، هناك أعمال أخرى تصيب الإنسان بالعجز والشلل، ليس لأنها أعمال هابطة ومستواها مترد، بل لأنها عدمية وفارغة من أي حمولة لدرجة تجعل المرء عاجزا عن تسطير كلمة واحدة لأن لا وجود لعمل أو مجهود أساسا يمكن انتقاده وإظهار عيوبه أو حسناته.
"صوت النسا" واحد من هذه التخاريف التي تتحفنا بها القناة الأولى كل ليلة. إنه جنس تلفزيوني جديد لم تبتكره لا أمريكا ولا أوربا أو حتى مصر وسوريا وتركيا، إنه خليط مستعص من السماجة والبلادة والتفاهة مع قليل من الاستهتار ونتف من الاستهزاء والازدراء.

إن "صوت النسا" لا يغير على الذوق السليم فحسب، بل يتجرأ هذا المسخ التلفزيوني على تمريغ قضية نسائية راقية في الحضيض. فإذا كانت المجلة، المحيط الذي تدور فيه الأحداث المفترضة، تقدم نماذج نسائية تعكس تطورا مجتمعيا مهما، ووجها إيجابيا ومشرفا لنساء عاملات وجيل جديد حداثي ومثابر خرج إلى سوق الشغل لينافس رجل القرن 21، فإن صوت النسا عرض نماذج نسائية تافهة وغير مشرفة تتميز بالسطحية والسماجة (دون أن يسلم الرجل بدوره من هذا الشرف الوضيع)، خصوصا أن أغلبهن صحافيات ويعملن في مجلة نسائية تصنع الرأي العام وتعكس صورة المرأة المغربية الحديثة.  
ولم تسلم مهنة الصحافة بدورها من "التهزيق" أو "تجفاف الأرض"، إذ يقوم شخوص العمل بكل شيء سوى عملهم الصحافي الذي من أجله اختير فضاء المجلة النسائية، وبدل ذلك، تتحول الشخصيات إلى رموز للسطحية والتفاهة والضحك الباسل الشبيه بالبكاء. فأساء العمل بالتالي إلى ممثلين ظهروا في أعمال سينمائية متميزة وسقطوا ضحية سقطة لا تغتفر تدفع إلى التفكير ألف مرة  في المناسبات المقبلة قبل الموافقة على المشاركة في عمل تلفزيوني آخر، كما هو الأمر بالنسبة إلى نفيسة بنشهيدة التي ظهرت في فيلم سعد الشرايبي الأخير "نساء في المرايا"، وفازت بجائزة ثاني دور نسائي في الدورة الثانية عشرة للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، عن دورها في فيلم "آكادير بومباي" لمريم بكير، والحال نفسه بالنسبة إلى أنس الباز الذي صنعه نور الدين لخماري في فيلم "كازانيكرا"، وظهر بشكل باهت في "صوت البكا"، إضافة إلى وجوه جديدة بدأت بداية متعثرة في عمل لا يشرف أحدا.
لقد ضرب "صوت البكا" بنحيبه كل تقاليد التلفزيون عرض الحائط، وإذا استثنينا الديكور والصورة فإن العمل فارغ ولم يبذل فيه أدنى مجهود، خصوصا على مستوى الكتابة أو البناء الدرامي، إذ تغيب الأحداث والتطورات وتتصرف الشخصيات بشكل غير منطقي ينعدم فيه الانسجام بل إن أبسط مكونات الكتابة التي هي الحبكة الرئيسية أو الثانوية لا وجود لها، وإذا ما توفرت لا يتم تطويرها أو الاسترسال في تبعاتها، الأمر الذي يحول حلقة "صوت النسا" إلى مشاهد مقطعة بلا معنى أو مغزى أو هدف .. اللهم إلا تعمار الشوارج .. وكفى الله المؤمنين شر القتال.
جمال الخنوسي