17‏/05‏/2011

أبناؤنا ... الذين يريدون قتلنا


عادل العثماني يشبه البشر بل هو تقريبا بشر رغم أنه يشرب عصير الليمون ليقتل ويحمل قيثارة ليعزف لحن الموت

كما الملايين من المغاربة أسرعت ذلك الصباح لرؤية صورة منفذ تفجير مطعم أركانة بمراكش. أترقب صورة الشاب الذي خلف وراءه في لمح البصر 17 قتيلا وعشرات الجرحى وملايين المصدومين من مظاهر الرعب والخراب.
وكما الملايين من المغاربة تمعنت طويلا، صباح يوم أمس، في صور تمثيله للجريمة الشنعاء بلباسه الغريب نصف الرياضي ونصف العسكري، وباروكته المصطنعة والقيثارة عالقة بكتفه.
كنت أنتظر، كما الجميع، أن أرى وحشا كاسرا بلا رحمة أو شفقة، يمتص شفتيه ويلعق آخر قطرات الدم بلسانه. ويتلذذ بقتل أبرياء في مكان آمن، أناس ذنبهم الوحيد أنهم التقوا في ذلك المكان في تلك اللحظة ليحتسوا شايا بالنعناع، ويشاهدوا من علو متوسط ساحة جامع الفنا الأسطورية التي اعترفت بها اليونيسكو تراثا شفهيا إنسانيا، منذ 2002.
كنت أنتظر أن تظهر الصورة أنيابه البارزة، ومخالبه الفتاكة، ونظراته الثاقبة. كنت أنتظر أن أراه في حالة غليان والأغلال تكبل يديه ورجليه... وحش بمعنى الكلمة.
لكني فوجئت بأن الشاب البالغ 25 سنة لا يشبه شيئا مما تصورنا جميعا. فليست لعادل العثماني أنياب ولا برزت له مخالب. نظراته باردة وحركاته هادئة ووجهه ساكن.
كانت دهشتي كبيرة لما اكتشفت أن الرجل يشبهني ويشبهك، يمكن أن يكون ابن الجيران، ولد الحومة، واحد من العائلة، ابنا أو أخا أو زوجا...  له ملامح البشر ورغبات البشر وأحاسيس البشر ... هو تقريبا بشر، رغم أنه يشرب عصير الليمون ليقتل، ويأكل الهلالية استعدادا للتفجير، ويحمل قيثارة ليعزف لحن الموت، ويضع باروكة على رأسه كأنه يستعد للسير في جنازة تنكرية، ويضع نظارة سوداء لأنه لا يستطيع النظر في عيون ضحاياه.
عادل ليس مثلي ومثلك، فعندما نظلم أحدا لا يغمض لنا جفن، وحين نهين شخصا تأكلنا الحسرة، وحين نخطئ ينهشنا الندم. أما عادل فعندما يظلم يقول لرجال الأمن في مكان الفاجعة "إيلى طلقتوني غادي نعاودها"، وعندما يخطئ يقول "أنا داير هاد الشي عن قناعة"، وعندما يقتل ينتظر التشجيع، وتفتح شهيته لتلقي التهاني، "ما تسولونيش على علاش داير هاد الشي، راه عندي قناعة، سولوني كيفاش درتو" يقول عادل.
إن عادل العثماني، المسؤول عن أحداث 28 أبريل 2011، والمسؤولون عن أحداث 16 ماي 2003، و 11 مارس 2007... ليسوا وحوشا كاسرة، بل أبناؤنا الذين امتلأت رؤوسهم بالخزعبلات، وخطابات الكراهية والتحريض والتطرف، الواضح منها والمشفر. هم نتاج لتغييب العقل، ووأد المنطق، وسيادة الفكر الشعبوي، هم عصارة الديماغوجية، ونبذ الآخر ورفض مظاهر الحياة.  
لنفكر في كل هذا جليا، ولنستنتج دروس التاريخ، ففي الحياة كما في السينما قال ألفريد هيتشكوك، عبقري أفلام الرعب، إن اللحظة المهمة في جريمة القتل ليست لحظة الضغط على الزناد بل حالة الترقب التي تسبقها.   
جمال الخنوسي