15‏/06‏/2011

كيف تصبح فرنسيا في خمسة أيام.. ومن دون معلم


هناك بعض "الأدباء" سامحهم الله لا يكتبون أشياء تستعصي على الفهم فحسب، بل يجعلون القارئ يحس بأنه أكبر بليد في هذا الكون، ويخطون هلوساتهم في كلمات مبعثرة كأنها عهن منفوش، ويدفعونه إلى التفكير في التهام "سمطة من القرقوبي" لعلها تساهم في فهم هلوساتهم المطبوعة التي يتعذر هضمها كأنها عصير من زقوم.

من جهة أخرى، هناك أدباء، كثر الله من أمثالهم، يكتبون بقلوبهم، ويخطون بدمائهم على الأوراق البيضاء كلمات نلتهمها التهاما كأنها ألذ المأكولات وأعذب الألحان. 
جمال بدومة واحد من هؤلاء، يسرق منك الابتسامات ويجعلك تهيم في تفكير عميق من خلال تعليقاته ووصفه، ونقده الحاد واللاذع، وكلماته التي لا تعرف المهادنة.
جمال بدومة أصدر أخيرا كتابا جديدا صنف في إطار "التخييل الذاتي" تحت عنوان "كيف تصبح فرنسيا في خمسة أيام.. ومن دون معلم" كتبه باسم شخصيته المتخيلة أو أناه الثانية "جيرار لولاش" الذي هو جمال بودومة بعد التعديل والحصول على أوراق الإقامة في بلد الحرية وحقوق الإنسان. يكتب بدومة في الصفحات الأولى: تنبيه للقارئ "جيرار لولاش شخصية خيالية، أنا اخترعتها" وفي الصفحة الموالية، "تنبيه للقارئ الغبي "جمال بدومة شخصية واقعية أنا فضحتها". فالكتاب إذن نوع من التأرجح بين الأنا المغربية التي تحاول أن تطغى على حلم أنا أخرى هي لولاش التي أصيبت بالإحباط وخيبة الأمل بعد أن تحول أملها، واستيهامات جيل بكامله، إلى كابوس مرعب، وغدت مدينة الأنوار سجنا كبيرا من العذاب والبؤس لكل المهاجرين والطامعين في أوراق الإقامة داخل فردوس "البيض".
كتاب بودومة أو لولاش يحكي "كيف تصبح فرنسيا في خمسة أيام.. بدون معلم" في زمن كان فيه المرور إلى الضفة الأخرى هوس الملايين من الشباب الذين يطمحون إلى "التغماس" في عسل فرنسا ورحيق فرنسا وفرنك فرنسا ونساء فرنسا. أما اليوم "من ذا الذي يريد أن يصبح فرنسا في زمن غدت فيه "مارين لوبين" ابنة أكبر عنصري في بلاد الفرنجة من الشخصيات الأكثر تأثيرا والأكثر شعبية في فرنسيا. من ذا الذي يريد أن يصبح فرنسيا في بلد يتحول فيه اليمين الحاكم إلى أداة لتطبيق سياسات وبرامج اليمين المتطرف. ومن ذا الذي يريد أن يصبح فرنسيا في بلد بنى مجده على الفسيفسائية، ولحم أكتافه من خير أفريقيا ومستعمرات إفريقيا، فدفعه القليل من المشاكل الاجتماعية والسياسية، وكثير من الوقاحة إلى فتح النقاش حول الهوية الوطنية والبرقع والإسلام والهجرة والكسكس والبلغة... من أجل "هدهدة" مارين لوبان وفصيلتها، ودغدغة شعور الفرنسيين الأقحاح، ومداعبة الناخبين في اتجاه الشعر.
بدومة أديب وشاعر يكتب بحد القلم كما يخط بأهداب ريشة. كلماته قوية كالإعصار وعذبة كالماء الزلال ومهما قسا وتمرد فإن هيجانه مستساغ وثورته هادئة (كما قيل في حملة رئاسية فرنسية ذات يوم).
جمال الخنوسي