22‏/06‏/2011

عيوش: إسرائيل دولة بنيت على الخوف

شكل فيلم "أرضي" لنبيل عيوش مخرج "علي زاوا" و"لحظة ظلام" و"لولا"،مفاجأة للعديد من المتتبعين، الذين رأوا في عمل عيوش الجديد كثيرا من الاحترافية والحياد الإيجابي في التعامل مع قضية حساسة هي القضية الفلسطينية. "أرضي" فيلم وثائقي مشحون بهموم قضية عويصة تمكن المخرج من التعامل مع خيوطها المتشابكة بسلاسة كشفت عن وجه خفي له.
وينطلق الفيلم بقوة وجرأة حين يقول عيوش، "ولدت في فرنسا سنة 1969، من أب مسلم مغربي وأم يهودية من أصل تونسي. بالنسبة إلى اليهود الذين كانوا يحيطون بي كنت ذلك الطفل الغريب شيئا ما، ثمرة زواج غير مقبول، زواج لم يستسغ. وفي المغرب كنت ابن اليهودية".
حول هذا الفيلم المثير للجدل وحصيلة "فيلم أندستري" يتحدث عيوش ل"الصباح" في الحوار التالي:
-        كيف كانت بداية فكرة فيلم "أرضي"؟
n  لقد جاءت فكرة الفيلم عقب زيارتي الأولى إلى إسرائيل. بدأ كل شيء سنة 2003، حينما قبلت الذهاب لأول مرة إلى إسرائيل. في الماضي تمت دعوتي مرارا إلى حضور بعض المهرجانات والتظاهرات الثقافية، وفي كل مرة كنت أعارض أو أضع الشروط لمجيئي، التي كنت أعلم أنها مستحيلة لمن كانوا يرغبون في حضوري: عرض فيلمي في الأراضي المحتلة، وأنام في الشق العربي من القدس، وأن يسمحوا لي بأن أندد بسياسة إسرائيل في وسائل الإعلام، وأن لا تتم مراقبتي في الحدود من طرف أي مسؤول إداري إسرائيلي حتى لا أعطي الشرعية لدولة لا أعترف بحدودها. في قرارة نفسي كنت أعلم أن تلك الشروط كانت مرفوضة، لكني كنت أتشبث بها كقارب نجاة وحماية. لكن في يوم من أيام يناير 2003 ردت علي إسرائيلية في الهاتف و قالت لي "نعم". و بما أنني لم أصدق بسهولة (أو لم أكن أرغب في ذلك)، استقلت محدثتي الطائرة وتواعدنا في باريس. حوارنا دام أكثر من أربع ساعات. فهمت خلالها إلى أي حد كانت مواقفي صلبة، لكنها فتحت لي أبوابا، ومسالك للتأمل نحو واقع ليس بالضرورة أبيض أو أسود كما كنت أظن. هذه المرأة هي يائيل بيرلوف، أستاذة السينما في جامعة تل أبيب وابنة الوثائقي الإسرائيلي الكبير دافيد بيرلوف. لقد غيرت تلك الزيارة داخلي الكثير من الأشياء وعلمتني أن علينا الكف عن شيطنة إسرائيل لأننا بذلك نشيطن كل الإسرائيليين، وهذا أمر غير سوي أو منطقي. ليلى شهيد (مندوبة فلسطين لدى الاتحاد الأوربي)، وهي بالمناسبة صديقة، بدورها أكدت لي الكلام نفسه، بعد مشاهدتها للفيلم.
صحيح أن السياسة الإسرائيلية يجب التنديد بها عاليا، لكن الأفراد أمر آخر وعلينا تبني مقاربة مختلفة معهم. كما علينا القيام بمبادرات في الإطار غير الرسمي، مع جمعيات وفنانين كي نسمع صوتنا وننصت لصوت الآخر. وكما لاحظتم في الفيلم، فإن الجانب الإسرائيلي يتميز بجهل كبير لما حدث أو يحدث.
-        الحجج الفلسطينية بدت أكثر صلابة مما قدمه الإسرائيليون ...
n   هذا مرتبط بالذاكرة الفلسطينية التي تخلد لمعاناة هذا الشعب العربي، مقابل غسل الدماغ الذي يطبق على الإسرائيليين من طرف الحكومات، ووسائل الإعلام والخوف، إسرائيل دولة بنيت على الخوف، الخوف من الآخر.
-        هل احتفظت بالشروط ذاتها للذهاب إلى إسرائيل؟
n  لا ..
-        هل الفيلم هو الذي جعلك تغير رأيك؟
n  نعم، بكل تأكيد .. بعد زيارتي إلى إسرائيل تغيرت وجهة نظري. قبل تصوير الفيلم، كنت أرى جميع الإسرائيليين فاشيين، لكن اكتشفت أنني يمكن أن أعبر عن رأيي بصراحة غير متوفرة في العديد من البلدان العربية، ويمكنني أن أقول في إسرائيل أشياء ربما سأمنع من قولها في أوربا أو أمريكا.
لقد عبرت خلال لقاء جمع عربا وإسرائيليين حول الفيلم، بكل حرية إلى درجة أنه بعد نقاش نهاية النقاش تدخلت إسرائيلية وتوجهت إلي باللوم قائلة، "على مدى ساعتين تريد أن تقول إن إسرائيل دولة لا حق لها في الوجود"، فأجبتها أنني لست هنا لأقول مثل هذا الكلام، "وعليكم أنتم أن تسائلوا أنفسكم هل الأحسن أن يكون لكم وطن أم تعيشون كما كان الحال سابقا مشتتين في العالم. لكن ما أريد قوله لكم جميعا (الإسرائيليون) هو أن بلدكم لا يمكن أن يوجد بالصيغة التي هي عليها الآن لأنه سيموت حتما ولا يمكنه البقاء".
إنهم شباب إسرائيليون لم يعرفوا أحداث 1948 ولا 1967، ومن بلغ اليوم من السن 20 سنة، فبالنسبة إليه إسرائيل هي أرضه ووطنه. علينا أن ننفتح على الآخر كي يعرف الإسرائيليون الحقيقة.
-        ربما فيلمك سيصدم الإسرائيليين أكثر من وقعه على العرب؟
n  صحيح .. إن فيلمي يرسم معالم مواقفي السياسية...
-         اسمح لي أن أقاطعك، أريد أن أسألك عن مواقفك السياسية، إذ لاحظت أنه قبل فيلم "أرضي" لم يكن لك أي تعاطف سابق مع القضية الفلسطينية...
n  ليس صحيحا، ربما أنها غلطتي لأني لم أتواصل بهذا الشأن في وقت سابق، لكن كنت دائما مناضلا ...
-        لكنك لم تعلن عن مواقفك من قبل، هل هذا تحول أم نقلة جديدة ؟
n  دعني أذكرك بشيء لا يعرفه الكثير من الناس. لقد قمنا بحملة لجمع التبرعات قبل ست أو سبع سنة من أجل فلسطين رفقة مناضلين آخرين، وأخرجت حينها أفلاما قصيرة أو وصلات في الموضوع، لكن لسوء الحظ عرضت مرة واحدة واختفت من الشاشات فجأة، (يضحك).
وقبل سنتين كونت مع مناضلين آخرين جمعية المغرب فلسطين كان مقرها في مبنى "عليان للإنتاج"، وقمنا بمجموعة من الأنشطة والمشاريع لمساندة الشعب الفلسطيني، لكننا لم نكن نود إشهار ما نقوم به أو التواصل بخصوصه. إنه نضال قديم إذن وليس جديدا، مع أنه كان ناقصا، لأني كنت أسمع طرفا واحدا فقط، ومع فيلم "أرضي" استمعت للطرف الآخر.
-        وكيف تفسر هذا الانتقال من الفيلم الروائي إلى التسجيل ...
n  يصعب علي الإجابة على هذا السؤال لأنني لم أشعر بهذا الانتقال، لقد أردت انجاز عمل حميمي ولم أجد غير الفيلم الوثائقي للتعبير عما أريد قوله... ولست أدري إن كنت سأعود من جديد إلى الفيلم الوثائقي أم لا.
بوكس: "انا أول منتج يعطي مبالغ مالية للتلفزيون العمومي"
-        كيف تقيم حصيلة "الفيلم أنديستري" المثيرة للجدل؟
n  إذا أردنا أن نتحدث عن الأفلام فهناك تباين في المستوى بين الجيد والأقل جودة، لكن أريد أن أرى الحصيلة من وجه آخر خصوصا من زاوية الإضافة التي أتى بها إلى المجال السمعي البصري المغربي: لقد أضاف تنوعا في صنف الأفلام، وتكوينا لمجموعة من الشباب المغمورين، فخلق مشروع "فيلم أنديستري" تقنيين من طراز كبير، ومخرجين أيضا على رأسهم ياسين فنان مثلا.
كما لا يجب أن ننسى أن "الفيلم أندستري" حققت مداخيل للتلفزيون المغربي وهذا أمر لم يشر إليه أحد.
-        مداخيل.. أي مداخيل؟
n  لقد حققنا مداخيل من خلال هذه الانتاجات، ودفعنا شيكا يحمل مبلغا ضخما للتلفزيون المغربي... هذه المرة الأولى التي يقدم فيها منتج مبالغ مالية للتلفزيون العمومي، إنها سابقة في تاريخ التلفزيون.
-        ما هي قيمة هذا الشيك؟
n  لا أستطيع القول ... لكنه مبلغ ضخم ..
-        المداخيل جمعت من بيع أقراص الديفيدي؟
n   نعم إضافة إلى حصولنا على مستشهرين وشركاء...
-        لقد راجت أرقام متضاربة عن المبلغ الذي حصلتم عليه من الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، ما هو إذ المبلغ الحقيقي لهذه الصفقة؟
n  توصلنا ب 500 ألف درهم عن كل فيلم أي 15 مليون درهم.
-        هل أعدتم إلى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون ال15 مليون درهم؟
n  لا.. لكنه جزء كبير من المبلغ. أعود وأقول أننا حصلنا على 50 مليون سنتيم عن كل فيلم، والجميع يعرف أن الميزانية العادية لفيلم تلفزيوني في المغرب تتراوح بين 100 و120 مليون سنتيم. أي أنجزنا أفلاما بنصف الميزانية المعتادة، أضف إلى ذلك أنها أفلام مدبلجة إلى أربع لهجات (الدارجة والتاريفيت والتاشلحيت وتامازيغت).
في سطور
-        من مواليد فاتح أبريل 1969 بباريس
-        مخرج ومنتج وكاتب سيناريو
-        عمل في الإشهار قبل دخول السينما
-        من أعماله "علي زاوا" و"لحظة ظلام" و"لولا" و"أرضي"