27‏/06‏/2011

الأحزاب المقاطعة للاستفتاء تربك التلفزيون والإذاعات


من المنتظر أن يثير موقف الأحزاب المقاطعة للاستفتاء حول الدستور نقاشا واسعا ذا طابع قانوني ومؤسساتي على حد سواء. كما سيضع القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية العمومية والخاصة أمام امتحان تطبيق مقتضيات القوانين والتوصيات الصادرة عن الحكومة من جهة عن الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري من جهة أخرى.
وفي السياق ذاته برز موقف محطة "راديو لوكس" الذي كشف عنه موقع "لكم" الالكتروني، إذ تحذر المحطة الإذاعية في مراسلة خاصة ضيوفها من الدعوة إلى مقاطعة الاستفتاء على الدستور المقرر تنظيمه في فاتح يوليوز. وتقول المراسلة الموجهة إلى الضيوف، " طبقا للمادة 90 من قانون الانتخابات، فإن الصحافي المنشط لن يبخل في حمايتكم وتذكيركم للعودة إلى الصواب، إذا ما دعيتم من خلال تصريحاتكم ناخبا أو أكثر إلى مقاطعة التصويت". وتضيف المراسلة بأن هذا القانون لا ينطبق على الدعوة إلى التصويت بـ"نعم" أو "لا".
وكانت الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري أوصت المتعهدين بفتح برامجهم خلال فترة الاستفتاء، أمام جميع تيارات الفكر والرأي، وكذا أمام الفاعلين السياسيين والنقابيين والاقتصاديين والأكاديميين والثقافيين والاجتماعيين المعنيين. كما توصي بضمان التوازن بين تعدد وجهات النظر، داخل كل برنامج على أساس سياسة استضافة قائمة على الإنصاف والتنوع وفي إطار احترام المقتضيات القانونية الجاري بها العمل والقواعد الأخلاقية المتعارف عليها.
ومن بين هذه المقتضيات القانونية مدونة الانتخابات لسنة 1997 التي تنص نسختها العربية في مادتها 90 "يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة من 1.200 إلى 5.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل شخص أقدم باستعمال أخبار زائفة أو إشاعات كاذبة أو غير ذلك من طرق التدليس على تحويل أصوات الناخبين أو دفع ناخبا أو أكثر إلى الإمساك عن التصويت".
وبالتالي فرسالة "راديو لوكس" تدخل في هذا الإطار. إذ في إطار عمل "استباقي"، تنبه كل ضيوفها بأن الدعوة إلى مقاطعة الاستفتاء تدخل تحت طائلة هذه المادة على اعتبار أنها لا يمكن أن تشتغل إلا في ظل النصوص القانونية الجاري بها العمل حتى الآن. علما أن هذه المادة قد تصبح متجاوزة أو حتى "غير دستورية" بعد اعتماد الدستور الجديد، لكنها لحد الساعة تبقى سارية المفعول، علما بأن المادة صدرت في سياق سياسي مختلف عن الحراك الذي يعرفه المغرب حاليا.
في المقابل تعاملت إذاعات أخرى بشكل مختلف مع هذه المادة، إذ كان هدفها هي الأخرى غير مختلف عن "راديو لوكس"، بالاقتصار فقط على تقديم رأي "نعم" ورأي "لا"، لأن ذلك يبقى في إطار الحرية التحريرية لكل إذاعة وتحكمها في بثها وهو ما يكفله قانون الاتصال السمعي البصري ودفاتر تحملاتها.
بالموازاة مع ذلك فإن بعض المحطات الأخرى بما فيها القنوات التلفزيونية العمومية "تتسامح" في التعامل مع هذه المادة من خلال استضافتها لبعض التنظيمات النقابية والأحزاب السياسية التي تدعو إلى المقاطعة كما حدث مع الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالقناة الأمازيغية مثلا. كما أن القرار الوزاري المشترك الخاص باستعمال الوسائل السمعية البصرية خلال الحملة الرسمية  يتضمن حصص بعض الأحزاب، رغم أن الجميع يعرف مسبقا مواقفها الداعية إلى المقاطعة. علما أنه عند حدود هذه الحصص تنتهي الحرية التحريرية للإذاعة أو القناة التلفزيونية العمومية لأن إدماجها في شبكة البرامج إجراء ملزم لها من طرف الحكومة، وبالتالي فإن السؤال ليس مطروحا فقط على المتعهدين وإنها أيضا على الحكومة التي أصدرت القرار المشترك (وزارة الداخلية، وزارة العدل، وزارة الاتصال).
وفي سياق متصل، أكدت مصادر من قيادات الأحزاب المقاطعة للاستفتاء حول الدستور ل"الصباح" أنها لن تغير موقفها خلال الحصص التلفزيونية والإذاعية المخصصة التي ستشارك فيها ابتداء من اليوم (الخميس).
وأشار مصطفى ابراهمة، قيادي النهج الديمقراطي وعضو المكتب التنفيذي للكنفدرالية الديمقراطية للشغل، أن موقف الهيأتين السياسية والنقابية من الدستور لن يتغير، مضيفا أن الحصص التي سيبدؤون في تسجيلها اليوم في الإذاعة والتلفزة، سيدعون فيها الشعب المغربي إلى مقاطعة الاستفتاء على الدستور الجديد، موضحا في الإطار ذاته، أن النهج الديمقراطي والكنفدرالية لن يكتفيا بدعوة المشاهدين إلى قول "لا" للدستور، لأن موقفهما مبدئي من المسلسل برمته من منهجية إعداد الدستور ومضمونه وشكله.
وأشار ابراهمة إلى أن الدولة مطالبة بابرازحسن نواياها إزاء الديمقراطية من خلال السماح بحرية تعبير كافة الحساسيات السياسية والنقابية عن مواقفها من الدستور بوضوح وبكل حرية.
من جهة أخرى، تعتزم أحزاب الاشتراكي الموحد والطليعة الديمقراطي والمؤتمر الاتحادي أن تحذو بدورها حذو النهج والكنفدرالية، بالدعوة إلى مقاطعة الاستفتاء، علما أن المادة 90 من قانون الانتخابات تمنع على الهيآت السياسية  والنقابية التحريض على مقاطعة المسلسل الانتخابي، وهو ما تجلى من خلال الاعتقالات التي طالت بعض الأعضاء المحسوبين على اليسار الجذري كانوا يوزعون منشورات تدعو إلى مقاطعة انتخابات 2007.
في السياق ذاته، رفض ابراهمة الحسم في شكل النظام السياسي الذي يدعو إليه حزبه، مفضلا التأكيد على أن النهج الديمقراطي يستند في قرار مقاطعة الاستفتاء إلى رفض لجنة المنوني وتفضيله انتخاب جميعة تأسيسية من أجل صياغة دستور ديمقراطي.
من جانبها رفضت أحزاب اليسار، الطليعة والمؤتمر والاشتراكي الموحد الدستور الجديد ودعت إلى مقاطعته، واستندت في قرارها إلى تحفظها على منهجية إعداد الدستور، وابتعاد مضمونه عن مفهوم الملكية البرلمانية.
جمال الخنوسي ورشيد باحة