05‏/08‏/2007

الحق في الحرية

الحق في الحرية

بعيدا عما وقع في الآونة الأخيرة، وما صاحبه من لغط وشوشرة، حول الحياة الخاصة للفنانين، و"فضائحهم" المفبركة· من قضية محمد نظيف إلى حكاية مريم سعيد، لابد أن نطرح في هدوء سؤالا أخلاقيا يمس صلب مهمة الاخبار· هل لنا الحق في قول كل شيء؟ ألا يملك الفنان هامشا من الخصوصية ينسلخ فيه عن نفسه ويصبح "الانسان" بدل "الفنان"؟ أليس لأي فنان كان الحق في الحرية مثله مثل جميع الناس؟ يخطئ ويصيب، يفلح ويخيب، دون أن ننشر غسيله الوسخ والنظيف على صفحات الجرائد والمجلات، وننشئ له محاكمة "عادلة" أو "مخدومة" للنيل منه وجلده في الطريق العام·
أذكر أنه على هامش مهرجان مراكش الدولي للسينما، دخل الممثل الأمريكي "رولان فيشبرن" إلى إحدى العلب الليلية، ليقضي فيها بعض الوقت، بعد يوم طويل من العمل أمام عدسات المصورين، ومشاهدة أفلام المسابقة الرسمية، والحوارات الصحافية· باغثته فتاة تعرفت عليه رغم الدخان الكثيف، والأضواء المتراقصة، فلا أحد يتيه عن بنية بطل سلسلة أفلام "ماتريكس" ورأسه الغليظة والحليقة· فطلبت منه التقاط صورة تذكارية معه، إلا أن الفتاة المسكينة، "الصدمة كانت قوية" عليها عندما رفض النجم الأمريكي طلبها· وأمام ذهولها واحتجاجها المحتشم، قال لها الممثل الأمريكي إنه هنا انسان عادي فقط، وليس "رولان فيشبورن" النجم، ويأمل في بعض الراحة، واحتساء بعض الأقداح دون أن يزعج راحته أحد "وأظن أن هذا من حقي"· انصرفت الفتاة وهي غير مقتنعة تماما بهذا المنطق "الأمريكي" المتعجرف، الذي لم يرق أغلب الحاضرين، لكن نجم هوليوود هذا هو منطقه، وهذا هو مفهوم النجومية ومنتهى المهنية بالنسبة إليه· ولا أظن أن ممثلا أو فنانا مغربيا على العموم سبق له أن رفض التقاط صورة مع أحد المعجبين، بل أراهم يقبلون على ذلك في لذة ونهم، وهو أمر طبيعي في إطار علاقة صحية بين الفنان ومعجبيه، رغم أن البعض "تيبسلوا بزاف" ويصبح منظرهم مقززا ومضحكا وهم يحاولون التقاط صور تذكارية بواسطة هواتفهم المحمولة التي لا تصور "غير الضباب"! ومع ذلك نرى فنانينا في المقاهي، وعلى أبواب القاعات السينمائية، وفي المهرجانات يقبلون على هذا التمرين المضني عن طواعية وحسن نية· وفي المقابل لا نغفر لهم زلة صغيرة أو كبيرة، وسرعان ما نستل سيوفنا من أغمدتها لنزرعها في قلوبهم، ونخرج أقذر قواميسنا لنفرغها في وجوههم· ويكفي هنا الاطلاع على بعض "مواقع الانترنيت" التي تنتعش هذه الأيام، وتترعرع على "ظهر الصحافة المكتوبة" كطفيليات "الخرطال"، وتنقل محتواها "بلاحشمة ولا حيا" دون أن تطلب ولو الاذن بذلك، لأنها تستبيح كل شيء، مادامت تبيح لنفسها الاعلان على المواقع البورنوغرافية· وفي الوقت ذاته تجدها السباقة في ملء صفحاتها بالكلمات "المرحاضية" والسب والشتم والقذف في أعراض الناس وجعلت من التفاعلية التي تمنحها الشبكة العنكبوتية، مرتعا للعفن والقاذورات·
إن الحياة الشخصية بالنسبة إلى الفنان كما هو الحال بالنسبة إلى مسؤول كان لا تأخذ بعدا مهما للآخرين إلا عندما تتقاطع مع مهمته ومهنته ومسؤولياته تجاهنا وتجاه هذا الوطن الذي يضمنا جميعا·
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق