07‏/10‏/2008

جوطية درب غلف ... فردوس الممنوع والمباح


البضائع المختلفة تتعايش بشكل غريب ووسط الفوضى الظاهرة يرى المدمنون على زيارتها النظام والألفة


يقول أهل مدينة الدار البيضاء بكثير من المبالغة إن جوطية درب غلف هي المكان الوحيد الذي يمكن أن تشتري منه إبرة كما يمكن أن تقتني في ممراته دبابة. في إشارة إلى أن هذا المكين العجيب يعج بكل أنواع البضاعة ويمكن للمتسوق أن يجد ضالته التي لن يجدها في أي بقعة أخرى وبأثمان أكثر من تنافسية.
تعدت سمعة جوطية درب غلف مدينة الدار البيضاء وتجاوزت حدود الوطن. الكل يعرف هذه المجموعة من البراريك المتهالكة التي لا تمتلك مقومات المحلات التجارية العصرية، إذ تمكنت هذه الجوطية من جذب الملاين من الزبناء سنويا متحدية بذلك أحدث المركبات التجارية.
الحركة الدؤوبة تحيط بالجوطية، سيارات متراصة ودراجات، وحركة سير صعبة، فوضاوية في بعض الأحيان، تبرهن على الإقبال المكثف على المكان.
مع المدخل يبدأ الباعة من داخل محلاتهم وأشخاص آخرون يتبين في ما بعد أنهم سماسرة في عرض منتوجاتهم "شي بياسة أصاحبي؟" والسؤال عن أسباب الزيارة "باغي تبيع؟ باغي تشري؟"، والمساومة في ما تحمل.
بائعو الفواكه والعصير يسدون منافذ الدخول ب"الكراريس"، ويجعلون اقتحام هذه القلعة مغامرة صعبة.
البضائع تتعايش في هذا المكان بشكل غريب، تتراكم السلع وتختلف البضائع ووسط هذه الفوضى الظاهرة يرى المدمنون على زيارة الجوطية النظام: هناك مكان مخصص للأثاث المنزلي وجناح خاص ب"الدي في دي" المقرصن، وحيز خاص بإكسسوارات السيارات، ومكان خاص بالملابس الجديدة وآخر للخردة، وغيرها من البضائع والخدمات، فإصلاح الهواتف المحمولة في الجوطية يعرف إقبالا كبيرا، أضف إلى ذلك إصلاح الحواسيب وجميع الأجهزة الالكترونية، "هنا يمكنك أن تجد ما لن تعثر عليه في أي مكان آخر" يقول أحد الباعة في فخر.
في قلب "جوطية درب غلف"، تظن أنك أخطأت العنوان وحللت بمكان غير المكان الذي تبحث عنه. دكاكين قصديرية ضيقة ومتراكمة ازدحام وأوحال، ومياه متسخة تجري بين الممرات. الدكاكين لا تتوفر لا على ماء ولا كهرباء، بل بعضها يستخدم مولدات تعمل بالبنزين مع سقوط الظلام، أو في تشغيل الآلات الكهربائية.
الاختصاص من شيم الجوطية، فوسط محل ضيق تحيط به المئات من أجهزة التحكم عن بعد، يجلس سمحمد، شاب في 22 سنة من العمر، متخصص فقط في بيع وإصلاح "تيليكوموند" جميع الأجهزة وكل الماركات. معدل ثمن القطعة هو 30 درهما، إلا أن سمحمد لا يشتكي من تجارته ويقول بأسلوب مازح، "كل المغاربة عندهم موشكيل مع تيليكوموند اللي ما تلفها راها خاسرة ليه خصوصا هادوك اللي عندهو دراري". أقراص "دي في دي" لأفلام مقرصنة لم تعرض بعد حتى في قاعات السينما لكبريات العواصم العالمية، تملأ فضاء الجوطية، معروضة حسب الأصناف والفئات العمرية: أفلام الحركة وأفلام رومنسية وأفلام خاصة بالأطفال وأخرى لجيل الشباب. في هذا المكان، في قلب العاصمة الاقتصادية كل شيء مباح، والقانون لا يعرف إلى درب غلف طريقا. وقوانين القرصنة والملكية الفكرية، تبقى في الخارج مع بائعي الموز والفواكه اليابسة، "إننا نشهد بعض الحملات بين الفينة والأخرى لكنها حملات موسمية ونعرف حدوثها قبل وقوعها... لنا مصادرنا نحن أيضا" يقول أحد الباعة في ثقة.على بعد أمتار تجد "رواقا" خاصا بالألعاب الالكترونية المقرصنة، والأجهزة المختلفة التي يتم التلاعب بمكوناتها كي تقبل تشغيل هذه الأقراص الهجينة من "بلاي ستيشن" إلى "نينتاندو" مرورا ب"الإكس بوكس" و"سيغا".
قرصنة القنوات الفضائية لها حيز خاص داخل الجوطية ولهذه التجارة حظوة مميزة وإقبال وسمعة فاقتا الحدود. في فصل الصيف يتقاطر الآلاف من المهاجرين من أجل الحصول على آخر مستجدات وابتكارات عالم "القرصنة الفضائية" التي تفتح عالم القنوات الإسبانية والعربية والفرنسية على وجه خاص. "كاينة دابا تي بي إس" هكذا يقول حميد في ثقة، ويعني بذلك الباقة الفرنسية التي تمنح خيارا كبيرا من القنوات الموضوعاتية للأفلام ، والأطفال، وعشاق السيارات، والموسيقى ... إضافة إلى القنوات الفرنسية الرئيسية مثل "تي إف 1"، و"فرانس 2"، و"إم 6"، و"فرانس 3"، و"فرانس 5"...
حميد مراهق عمره لم يتعد 18 سنة يبدي حيوية كبيرة في التعامل مع الزبائن. محله ضاق عليه بكثرة أجهزة الاستقبال المتراكمة وجهاز كمبيوتر محمول يتردد عليه بين حين وآخر، لا يظهر له مخرج من هذا المحل إذ يعطيك الانطباع أنه ولد في هذا المكان وشب وترعرع هنا أيضا.
في المكان الخاص بالأثاث المنزلي يكثر العنصر النسوي، تقول زينب البالغة من العمر 38 سنة، "أفضل شراء حاجيات البيت من هنا لأنها أقل ثمنا من المحلات المعروفة، لقد أثقلت كاهلي لسنوات، وبعد اكتشافي لهذا المكان، أصبحت مدمنة عليه".
محلات بيع الملابس تغص بالشباب والمراهقات، وتعرض لآخر صيحات الموضة، "هنا تانلقا بياسات مزيانين بثمن معقول" يقول أحد الشباب، وتضيف مرافقته، "هنا أحسن من بوتيكات المعاريف .. ما عدنا جهد عليهم".
وتعرض بعض المحلات ملابس مصنوعة في المغرب إلا أنها موجهة فقط إلى السوق الخارجية، فتقدم هنا بثمن مغر نظرا لعيب طفيف فيها، "العيب يكون غالبا غير ظاهر على مستوى الأزرار مثلا، فيكون ثمنها مغريا جدا لأنها ملابس ذات جودة عالية"، يقول أحد الباعة.
لا يضع حدا لرواج جوطية درب غلف إلا سقوط الظلام، فتغلق البراريك أبوابها دفعة واحدة في انتظار إشراقة يوم جديد.

جمال الخنوسي

هناك تعليقان (2):

  1. ahmad maghrbi9:22 م

    salaam
    ana ahmad min hollanda
    plz ana habeb aykallam ma3aak
    momken rakam telifonak??

    shoukran salafan
    salaam

    ردحذف