05‏/01‏/2009

سيدي قاسم.. مدينة منتهية الصلاحية


السكان موزعون بين الكساد الذي سيجلبه إغلاق مصفاة سامير ومباركة نهاية الملوث الرئيسي بالمدينة
منذ الوهلة الأولى التي يضع فيها المرء أقدامه في مدينة سيدي قاسم، يشعر أن شيئا غريبا يحدث أو على وشك الحدوث. شوارع وأشجار وخضرة، هدوء حذر يخيم على المدينة، معمل سامير لتكرير البترول مازال شامخا كأنه وحش خرافي من حديد، تنين يفتح فاه ليخرج لهيب نيران حارقة ودخانا ذا رائحة غريبة، رائحة سيدي قاسم، وصمتها الذي ينذر بالكساد والكارثة المحدقة التي تتربص بمدينة عريقة ذات تاريخ.
الشعور العام لدى السكان أن لا شيء يتغير في مدينتهم، "كل الأمور مازالت كما كانت منذ سنين، لا فرص عمل جديدة، ولا معامل ولا شركات، واللي مسك عليه الله يجمع متاعه ويرحل إلى وجهة أخرى ومدينة أفضل"، يقول أحد شبان المدينة.
شبح إغلاق مصفاة سمير يخيم على كل الأحاديث والنقاشات والتخوف عارم من أن تصبح سيدي قاسم جرادة ثانية، "جاء الدور لإغلاق المعمل الوحيد الذي يوفر فرص العمل لأبناء المدينة، ويخلق العمال رواجا اقتصاديا حقيقيا في المدينة، ومع نهايته سينتهي كل شيء .. هذه كارثة .. سيضاف اسم سامير إلى المعامل الأخرى التي أغلقت أبوابها سابقا مثل معمل البسكويت (بشكيطو) وصوديا وصوجيطا ومعمل النسيج ومعامل الليمون".
الأخبار لا تسر، ستتحول المصفاة التي انطلق العمل بها في 29 أبريل 1929 تحت اسم الشركة الشريفة للبترول، إلى مخزن يستقبل البترول عبر أنابيب (بايب لاين) من مدينة المحمدية.
ووضعت إدارة سامير العمال أمام أربعة خيارات: إما البقاء بمدينة سيدي قاسم بعد تحول المصفاة إلى مخزن كبير، أو الرحيل إلى المقر الرئيسي لسامير بمدينة المحمدية، أو العمل في إحدى وحدات "سلام غاز" الموزعة في مدن مختلفة من المغرب (فاس، تطوان، سيدي قاسم، الرشيدية ...)، أو الاستفادة من التقاعد النسبي.
إلا أن المشكل الذي يؤرق عمال سامير ويجعل مثل هذه العروض غير مقنعة هو تخوفهم من "المستقبل المجهول"، إذ أن إدارة سامير ترفض التفاوض نقابيا مع العمال والمصادقة على حلول عن طريقها، وهو ما يمكن أن يضمن لهم (العمال) حقوقهم لاحقا، مفضلة بذلك التعامل مع مطالب العمال كأفراد، وبالتالي يتخوف عمال سامير مما ستؤول إليه مصائرهم، ومدى جدية حلول الإدارة، ويتساءل العمال الذين وضعتهم سامير أمام الأمر الواقع عن شروط وضمانات المغادرة والتنقيل والظروف التي تتم فيها العملية.
وفي السياق ذاته، يطالب العمال بنوع من التحفيز بالنسبة إلى الذين سيرحلون إلى مدينة المحمدية ويتركون حياتهم القديمة للانتقال للعيش في المحمدية التي تختلف عن مدينة سيدي قاسم (غلاء المعيشة، غلاء السكن خصوصا أن البعض سيتركون ممتلكاتهم)، كما يطلب العمال ضمانات عن بقائهم في عملهم لمدة طويلة لأن الشركة يمكنها أن تستغني عنهم مرة أخرى إذا دعت الضرورة.
ومن المنتظر أن تعقد إدارة سامير اجتماعا مع النقابات الممثلة للعمال في 9 يناير المقبل للتباحث في مجموعة من المواضيع من بينها النقط العالقة الخاصة بوضعية العمال بعد نهاية مصفاة سامير.
الصورة ليس قاتمة بالنسبة إلى الجميع، إذ أن هناك من يبارك التوقف النهائي لمصفاة سامير ويعتبره نبأ سارا، فاطمة مثلا، التي تعمل مدرسة والبالغة من العمر 28 سنة، ترى في إقفال معمل سامير لأبوابه خبرا سعيدا، وتنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي ستنطفئ فيه الشعلة الكبيرة ويخمد لهيبها، "هذا المعمل كارثة بيئية لم نستفد منه قط ولم تجن المدينة غير الأمراض والأوبئة، وصحتنا وصحة أبنائنا لا ثمن لها".
وكانت عملية التفويت التي تمت سنة 1997 أثارت الكثير من اللغط بعد تولي وزير الخوصصة آنذاك مديرا للشركة بعد نهاية مرحلة استوزاره.
وكان المكتب النقابي الموحد للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بشركة سامير اتهم الحكومة والسلطات المعنية بمباركة قرار إدارة سامير وثشجيعها على إغلاق مصفاة سيدي قاسم، وبالتالي إعدام فرص الشغل بالمدينة التي تحولت إلى جرادة ثانية. كما نبه المكتب النقابي إلى القفز على المقتضيات القانونية الشغلية المتعلقة بإغلاق المقاولة وتسريح أو تنقيل العاملين بها
وفي الاتجاه ذاته أعلن المكتب النقابي الموحد للكونفدرالية الديمقراطية للشغل الذي اجتمع يوم 29 نونبر الماضي بمقر النقابة بمدينة المحمدية، رفضه القاطع لقرار إغلاق مصفاة سيدي قاسم وتوقيف نشاط تكرير البترول، معتبرا القرار غير منسجم مع متطلبات تأمين الاحتياجات النفطية والطاقية للبلاد وتأهيل الصناعات الوطنية سيما في ظل مستجدات الاقتصاد العالمي والتقلبات العنيفة لسعر البرميل وعدم الشروع في تشغيل الوحدات الإنتاجية الجديدة بالمحمدية
كما طالب المكتب بضرورة دعم ومساندة الصناعة البترولية الوطنية من أجل توفير الحاجيات الكمية والتنوعية وتقنين اللجوء إلى الاستيراد بإعطاء الأسبقية للمنتوج الوطني محذرا، في الآن ذاته، من أن يكون التحرير المطلق للسوق الوطنية سببا في أزمة التموين خصوصا أمام تناقض مصالح الفاعلين في المجال
واعتبر المكتب النقابي أن الطبقة العاملة هي من سيدفع ثمن هذا الوضع وبالتالي سقوطها ضحية للسياسات المنتهجة داعيا إدارة شركة سامير إلى التفاوض الجماعي والمسؤول من أجل ضمان الاستقرار الوظيفي وحماية الحقوق المكتسبة والإبقاء على نشاط التكرير بمصفاة سيدي قاسم إلى حين استقرار تشغيل المجمع الصناعي الجديد بالمحمدية ووضوح الرؤية الكاملة لتدبير السوق الوطنية للمحروقات.
جمال الخنوسي

هناك تعليقان (2):

  1. قيصر طارق10:38 م

    اصلا فالمدينة اكثر بؤسا من الجرادة لاكن الفرق ان جرادة تفتقر للموارد عكس سيدي قاسح الغنية بالشفارة و الانتهازيين و مكدسي رؤوس الاموال كيف للمدينة ان تتطور و اقصى طموح اصحاب رؤوس المال فتح المقاهي و المحلابات لاسف المدينة تنزف لغاية انتهاء صلاحيتها ان لم تكن قد انتهت بالفعل

    ردحذف
  2. غير معرف12:43 ص

    لم يتركو أي مجال لضعيف أي فرصة لكي يهنأ بحياة كريمة قد قفلت جميع أبواب الرزق فالمدينة شبه ميتة إقتصاديا فلى يرجو المسكين فيها ألى رحمة الله

    ردحذف