17‏/02‏/2009

هل أتاكم حديث التسوق على ظهر فأرة؟

بإمكان الزبناء الدخول إلى سوق حقيقي بسلعه وخضره وكل أنواع "التقدية" دون أن يبرحوا أماكنهم

لم يعد لزاما على المغاربة ركوب السيارات والتنقل إلى المحلات التجارية، ولا حتى استعمال الدواب المطيعة من أجل قضاء مآربهم، واقتناء ما يحتاجونه من سلعة ومؤن، لأن "الوقت تبدلات"، وأصبح الزمن غير الزمن، وغدا من الممكن التسوق فوق فأرة وليس على ظهر بعير.
بشرى لكل المغاربة إذن، فبواسطة فأرة الحاسوب يمكنهم الدخول إلى سوق حقيقي بسلعه وخضره وكل أنواع "التقدية" دون أن يبرحوا أماكنهم أو يتركوا صالوناتهم الرحبة أو مكاتبهم الدافئة، فقد ظهرت في الآونة الأخير مواقع على الشبكة العنكبوتية توفر ما لذ وطاب من الأطعمة والخدمات والأجهزة الإلكترومنزلية، ولإغراء الزبناء أكثر فأكثر، تعرض المواقع الإلكترونية مهلة للتسليم أقصاها 24 ساعة.
ولم تقف هذه "السويقة" الإلكترونية التي لا تتوقف ليلا ولا نهارا طيلة أيام الأسبوع، عند هذا الحد، بل امتدت إلى مجالات صعبة مثل التجارة شبه الصيدلية وغيرها.
أذكر أيام زمان، حينما كان أهل المدينة القديمة بفاس يملؤون قفة كبيرة يسمونها "الترابية" كل صباح، ويفرغ كل منهم محتواها في باحة بيته الفسيحة، ليعود ويملؤها ثانية وثالثة بكل ألوان الخضر من الخرشوف أو القنارية إلى "اللفت والدنجال".
لم يكن يعرف أجدادنا شيئا اسمه "الميكة البيضا" ولا "الميكة الكحلة" بل كان يتميزون بحس فطري لاحترام البيئة والحفاظ عليها والتعايش مع الطبيعة دون الحاجة إلى الوصلات الإشهارية التوعوية.
أكثر من هذا كان مشوارهم هذا نوعا من الرياضة الصباحية، يحافظون من خلاله على لياقتهم البدنية دون الحاجة إلى نوادي كمال الأجسام ولا صالات "الجيم" و"الفيتناس" و"الستيب" و"الستريتشينغ".
ظهرت هذه التجارة الإلكترونية أو ما يطلق عليه أهل الميدان "e-commerce" (إي كوميرس) قبل سنوات في أوربا وأمريكا، وعرفت رواجا كبيرا ومضطردا، وتمثل في فرنسا مثلا رقم معاملات يفوق 18 مليار أورو.
إلا أنها تأخرت في طريقها إلى المغرب ولم يكتشفها "الكليان" إلا في الآونة الأخيرة، ويأتي هذا التأخير بسبب قلة انتشار الحواسيب في البيوت، والغلاء النسبي للانخراطات في الإنترنيت، وغياب الثقة بين زبناء التجارة الالكترونية والعملاء خصوصا في مسألة الدفع الالكتروني أي تسديد ثمن السلع عن طريق بطاقات الائتمان وأرقامها السرية.
بعض المواقع المغربية اختارت من أجل تفادي هذه المعضلة، أن لا يتم التسديد إلا عند التوصل بالقفة، إذ تكلف سلعة يقل ثمنها عن 500 درهم، تعرفة تقدر ب35 درهما. أما القفة التي تتراوح بين 500 و1000 درهم فإن التعرفة تنخفض إلى 20 درهما، في حين أن القفة التي يتعدى محتواها 1000 درهم فإن التسليم يكون مجانيا كي يشجع الموقع الالكتروني زبناءه على الاستهلاك.
إلا أن مثل هذه السلوكات الجديدة و"الحضارية"، تدعم التقوقع والعزلة، لأن طقوس التسوق والتبضع لا تعني شراء الحاجيات فحسب، بل تعني أيضا ربط علاقات ولقاءات واحتكاكا إنسانيا.
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق