23‏/09‏/2006

هجرة اليهود المغاربة والسينما .. اختيار موضوعي أم صفقة تجارية؟

باغت المخرج المغربي محمد إسماعيل صاحب فيلم "وبعد.." الجمهور والمتتبعين عند إعلانه انطلاق الاستعدادات لإنجاز فيلم سينمائي طويل حول هجرة اليهود المغاربة. وكان حسن بنجلون مخرج فيلم "الغرقة السوداء" قد أنهى منذ شهر تصوير فيلمه الأخير تحت عنوان "الحانة" يتطرق فيه لنفس الموضوع، الأمر الذي جعل مجموعة أسئلة تطرح نفسها بإلحاح، لماذا هجرة اليهود المغاربة؟ لماذا في هذه الظرفية بالذات؟ وما السر وراء هذا الاهتمام؟

استهجن العديد من السينمائيين والمتتبعين ما نعتوه ب"التسابق المحموم" الذي عرفه موضوع هجرة المغاربة نحو إسرائيل. والذي شهدته شواطئ البحر الأبيض المتوسط في الستينيات من القرن الماضي. في سرية تامة إذ لم يفضح خباياه سوى غرق الباخرة "ايكوز" التي ذهب ضحيتها 42 يهودي مهجر سرا من ضمنهم 16 طفلا في سنة 1961.
ويعتبر بعض المتتبعين أن جعل اليهود موضوعا سينمائيا كفيل بجذب دعم مادي من الخارج يضمن إنجاز الفيلم في ظروف حسنة. كما أنه سيلاقي حتما دعما في الداخل في إطار "تسويق صورة المغرب" كبلد للتسامح و اللتعدد و الاختلاف و التعايش. بالإضافة إلى أن طرح موضوع حساس للنقاش يكسب الفيلم شهرة على غرار ما حدث مع فيلم "ماروك" لليلى المراكشي. حيث استغل بشكل كبير الضجة الاعلامية التي أثارتها بعض الجهات.
ويرى المخرج المغربي حسن بنجلون أن الحالة السياسة عقدت أجواء صدور الفيلم خصوصا مع اندلاع الحرب في الشرق الأوسط. ويضيف بأن فيلمه مبرمج وتم الإعداد له منذ ما يزيد على 3 سنوات. حيث كانت الأجواء هادئة نوعا ما ولغة السلم علت على لغة البنادق والمدافع. ويعلل بنجلون اختياره لهذه التيمة لسببين الأول موضوعي والآخر ذاتي. ففيما يخص السبب الموضوعي قرر بنجلون أن يزور بكاميراه سنوات الستينات بعد أن زار من قبل سنوات السبعينيات من تاريخ المغرب من خلال سنوات الرصاص وقال بنجلون أنه كان سباقا للحديث عن حقبة مظلمة من تاريخنا في زمن كان فيه هامش الحرية جد ضيق من خلال فيلمه "درب مولاي الشريف". ليتطرق فيما بعد لهذه الحقبة أكثر من 4 أفلام لمخرجين آخرين.
ويرى بنجلون أن هجرة اليهود المغاربة تنتمي لتاريخ المغرب ولا يمكن تجاهلها بهذا الشكل ومحوها من الذاكرة بل يجب إعادة النظر في هذه الحقبة التي شهدت أكبر هجرة (256 ألف يهودي).
أما عن السبب الذاتي الذي جعله ينجز هذا الفيلم فقد اعتبر بنجلون هجرة اليهود جزءا من حياته الشخصية. حيث كان طفلا صغيرا في مدينة سطات يلاعب أطفال "الحومة" من مسلمين ويهود إلى أن فوجئ في صبيحة يوم ما ودون سابق إنذار بغياب الجيران وأبوابهم الموصدة. "يمكن اعتبار الفيلم نظرة طفل يتساءل عن حدث لم يفهمه"يقول بنجلون ، ثم يضيف بأنه لا يستبعد إمكانية استغلال فيلمه من طرف بعض "الجهات" المتعصبة والركوب عليه. وقال إنه حاول ما أمكن التزام الحياد والموضوعية مع مسألة تتميز بحساسية مفرطة.
كما عبر بنجلون عن انزعاجه لإقدام المخرج محمد إسماعيل على إنجاز فيلم حول نفس الموضوع "أنا لا أفهم السر في هذا الأمر ولم أستطع إيجاد سبب مقنع لذلك".
وفي رده يقول المخرج محمد إسماعيل إنه لا يمكن النظر للمسألة بهذا الشكل ولا يمكن الحديث عن الإزعاج وإلا سيكون بنجلون قد أزعج من قبل سعد الشرايبي وجيلالي فرحاتي حين قدموا أفلاما عن سنوات الرصاص على غرار "الغرقة السوداء". "لا يمكن التعامل مع السينما المغربية كموضا هناك بعض الدوافع تطفو على السطح وتعطي دفعة لقضية دون أخرى ونفس الأمر تعرفه جميع السينمات العالمية. ممكن أن تجعل الموضوع واحدا لكن المقاربات هي التي تختلف". ويتساءل إسماعيل "كم من فيلم قدمته السينما حول الحرب العالمية الثانية؟!" ويعزو أسباب اختياره لهذه التيمة إلى كون الفيلم يتناول شريحة اجتماعية ومواطنين مغاربة يقدرون بـ500 ألف مغربي. كما أن هؤلاء اليهود كانوا جيراننا جميعا ويمثلون مجموعة أطر وتجار وحرفيين تركوا أماكن ومناصب شاغرة الأمر الذي يدفع لطرح أسئلة موضوعية: كيف؟ ولماذا؟ وهنا يضيف إسماعيل أنه يمكن التطرق للدور الذي لعبته مكاتب الهجرة اليهودية من أجل التغرير بمواطنين مغاربة لم يعانوا قط من مشكل التمييز العرقي أو الديني. "فأينما حللت" يقول اسماعيل " تفاجئني النوستالجيا التي يشعر بها اليهود المغاربة حيال وطنهم الأم بالرغم من استقرارهم في بلدان أخرى في جميع أنحاء العالم".
ومحمد إسماعيل منهمك هذه الأيام في تحديد مواقع تصوير مشاهد فيلم اعتبره سابقة في تاريخ المغرب، لأنه إنتاج ضخم يتطلب إمكانات كبيرة. نظرا لحرص المخرج على الدقة والالتزام بالبعد التاريخي للفيلم من ملابس وأحياء وجو عام وسيارات.
ويضيف إسماعيل أن فيلمه سيمول من طرف صندوق الدعم للمركز السينمائي المغربي بالإضافة للقناة الثانية المغربية التي أعطت موافقتها المبدئية. وهو في انتظار بعض أصحاب "النيات الحسنة" كما أنه يأمل مشاركة دول أجنبية مثل فرنسا وإسبانيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق