23‏/09‏/2006

رحيل "سفير الكوميديا المحترمة" فؤاد المهندس


كان يكفيه أن يظهر على خشبة المسرح لكي يسرق من الجمهور الضحك والابتسام. كانت حواراته سلسة مرحة وعفوية تملأ جنبات المسرح بالضحك و التصفيق. لكن مع رحيله يوم السبت الماضي عن سن يناهز 82 عاما زرع الحزن في ربوع الوطن العربي واعتصرت قلوب محبيه ومعجبيه بعد نصف قرن من العمل الفني في السينما والمسرح يرحل فؤاد المهندس.
عرفناه جميعا وحقق انتشارا واسعا من خلال مسرحيته الشهيرة "صك على بناتك" خصوصا حواراته مع الراحلة سناء يونس ومقالبهما معا. كان يلاحق ابنته التي عنفت خطيبها في الشارع بعد أن تجرأ على امساك يدها وينهرها قائلا : "متسيبيه يمسك إيدك" فتتعالى الضحكات. كان بنظاراته السميكة يبدو أبا قاسيا و حنونا في ذات الوقت، جديا ومرحا. كان المهندس يجمع التناقضات يعرف كيف يبكي الجمهور و يجني تعاطفه ويتقن فن الاضحاك و النكتة ورقة الدعابة. كما يذكر الجمهور مسرحيته "هاله حبيبتى" التى أوضح فيها سوء المعاملة التى يلقاها الأطفال فى الملاجئ. فأضحكت المسرحية الأطفال ونبهت الكبار لما يحدث فى الملاجئ من تجاوزات بحق الأطفال. وعبر عن ولعه بالطفولة من خلال مشوار فنى طويل مع فوازير عمو فؤاد التى تابعها كل الأطفال فى مصر و العالم العربى.
وقد تميز المهندس بكوميديا "محترمة" لا تستخف بعقل المشاهد بعيدا عن الاسفاف والإضحاك المرتبط ب"العاهات" والتكرار. وقد تكرر اسمه كثيرا صحبة رفيق دربه عبد المنعم مدبولي في السنوات الأخيرة باعتبارهما سفراء لكوميديا افتقدها الوطن بعد فشل الساحة المصرية في تقديم نجوم جدد والكبوات التي عرفتها آخر انتاجات ممثلين من أمثال محمد سعد ومحمد هنيدي.
كان "عمو فؤاد" كما يسميه الأطفال رمزا للأب المتشبث بالتقاليد وفي نفس الوقت المتفتح على متغيرات المجتمع والمنصت للاخر. واعتبر الفن رسالة سامية تخدم المجتمع الأمر الدي جعل منه أحد رواد فن الكوميديا بمصر حيث اقترن اسمه بنهضة الحياة المسرحية في الستينيات ، وتربع على عرش الكوميديا من خلال أعماله المسرحية المتميزة التي قدمها لسنوات طويلة مستخدما كوميديا الموقف.
وحتى مع تقدمه في السن شارك في أدوار ثانية مع ممثلين صنع منهم نجوما، ومنهن عادل امام في فيلمي "خلي بالك من جيرانك" و"خمسة باب" بالإضافة إلى سعيد صالح وغيرهما . وقد صرح مكتشف النجوم في اخر حواراته أن الدموع تغالبه حينما يشعر بالوحدة وعدم وجود أحد إلى جانبه خاصة ممن كان ينتظر منهم رد الجميل. كما تميز المهندس بارتباطه الوثيق بزوجته الممثلة شويكار وشكلا ثنائيا فنيا أثمر عددا من الافلام الكوميدية منها "مطاردة غرامية" و"شنبو في المصيدة" و"أرض النفاق" و"أخطر رجل في العالم". وكان المهندس هاويا للتمثيل منذ سن مبكرة ففي أثناء دراسته بالكلية شاهد بعض مسرحيات الممثل الكوميدي نجيب الريحاني وقرر أن يكون الفن حرفته حيث انضم الى فرقة "ساعة لقلبك" في بداياتها.
وكانت ستينيات القرن العشرين العصر الذهبي للمهندس مسرحيا ففيها قدم أعمالا منها "السكرتير الفني" و"سيدتي الجميلة" و"أنا وهو وهي" و"حواء الساعة 12" ً كان يوظف فيها أغاني داخل العمل الفنى لأنه لم يكن مطرباً بمعنى الكلمة.
ومع رحيل سناء يونس وعبد المنعم مدبولي و فؤاد المهندس لا بد أن الدراما التلفزيونية و السينما و المسرح ستصبح جميعها أكثر قتامة وتجهما، وتطرح إشكالية الخلافة وضمان الاستمرار في الوسط الفني في مصر وفي العالم العربي على العموم .
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق