08‏/01‏/2010

"مرحبا سيتون" على القناة الامازيغية

إطلاقها مؤشر على دخول مرحلة جديدة في استراتيجية السمعي البصري العمومي



أعطي، أول أمس (الأربعاء)، انطلاق البث التجريبي للقناة الأمازيغية بالرباط. ميلاد عسير لقناة اختلط فيها الإعلامي بالسياسي والاقتصادي، تروم عكس الغنى الثقافي المغربي الذي همش على مدى سنوات.
وعرف المشروع العديد من العراقيل، ولفه نوع من الغموض جعل العديد من الأخبار والإشاعات تتناسل، فيها الكثير من التلفيق والقليل من الصحة، لكنه وضع عكس في حقيقة الأمر، نوعا من الترقب ونفاد الصبر من طول الانتظار. وحتى إطلاق البث التجريبي للقناة لن يضع حدا للنقاش حولها بالنظر إلى خصوصيتها وحساسيتها.
وبموازاة ذلك، فإن إطلاق قناة عامة جديدة تعنى بقضايا الأمازيغية يطرح سؤالا جوهريا عميقا: هل إطلاق القناة مجرد إضافة عددية أم تشكل إضافة نوعية تطمح إلى تعزيز التنوع والتكامل داخل الحقل السمعي البصري؟
من أجل الإجابة على هذا التساؤل لا بد من إبداء مجموعة من الملاحظات، يمكن حصرها في ست، تميز القناة الأمازيغية عن أخواتها في باقة القطب العمومي.
أولا، أخذت القناة الأمازيغية الوقت الكافي للإعداد لها وإنضاج مشروعها ودامت هذه السيرورة أكثر من ثلاث سنوات من النقاش والجذب والكر والفر، في وقت أطلقت فيه قنوات أخرى مثل الرياضية والرابعة بتسرع عملا بمنطق "الكوكوت مينوت".
ثانيا، حجم الإمكانات المالية المرصودة للقناة الأمازيغية المتمثل في 500 مليون درهم على مدى أربع سنوات رقم لا يستهان به، في وقت ولدت القنوات الأخرى "من عدم"، ونهلت من ميزانية القناة الأولى الأم، فقناة الأفلام أو السابعة تكلف 0 درهم، أما الرابعة والرياضية والسادسة فليست لها ميزانية مستقلة أصلا.
ثالثا، من الناحية التقنية، للقناة الأمازيغية الامتياز والحظوة في توظيف أحدث تقنيات البث، إذ لن تعتمد على "الكاسيط" أو الأشرطة مثلا كما هو الحال عند أخواتها، بل ستستعمل موزعا رقميا (سيرفور)، باعتباره آخر صيحة في مجال البث.
رابعا، خلقت قناة الأمازيغية لحاجة سمعية بصرية من ناحية، لكنها رأت النور بإرادة ملكية سامية جعلتها تحسم بشكل قاطع في الخلافات وتذلل كل العقبات، كما أن وقوف ملك البلاد وراء المشروع
أعطاها دفعة قوية وجعل لها مكانة خاصة.
خامسا، تتميز القناة الأمازيغية بتدبير حكيم للموارد البشرية، فاختيار محمد مماد في منصب "المدير المركزي لقنوات الأمازيغية للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة"، مؤشر كبير على دخول الشركة في حقبة تدبير المضمون السمعي البصري بدل الاعتماد على الجانب التسييري التنظيمي ، فلا أحد يجادل في كفاءة مماد وفي مساره المهني، كما للرجل نهج سيرة مشرفا، فهو رجل تلفزيون وعنصر مؤسس في القناة الثانية، فلم يخضع تعيينه إلى منطق التوظيف التقنوقراطي الذي أبان عن قصوره.
سادسا، تتميز قناة الأمازيغية بشفافية غائبة عن أخواتها، فلأول مرة يعلن عن طلب عروض وينشر في الجرائد ويتم اختيار الأفضل منها خلافا للمعمول به في محطات صديقة.
من خلال كل هذه الملاحظات يمكن أن نخلص إلى أن القناة الأمازيغية تجربة فريدة تستحق الاهتمام والمتابعة باعتبارها ترسم الطريق إلى إستراتيجية سمعية بصرية جديدة. وحتى تأجيل موعد إطلاقها في آخر لحظة إشارة قوية يجب الانتباه إليها، فتأجيل الانطلاقة من دجنبر 2009 الى يناير 2010، يعطي الانطباع بأن "الجديد" في الطريق، وأن "تلفزيون الأمازيغية" بكل خصوصياته ينتمي إلى ذهنية ونظرة العشرية الجديدة، ولا ينتمي إلى منطق عشرية 2000، أي أننا تحولنا بفضل قناة الأمازيغية من الانتقال التلفزي الذي انكب على مدى عشر سنوات مضت، على الشق الحقوق والمالي والاجتماعي والقانوني، والشكلي عموما، إلى المضمون السمعي البصري الذي أصبحت تمليه الظرفية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
بصيغة أخرى، إن مماد وفريقه في القناة الأمازيغية لم يلتحقوا بالمولود الجديد من أجل التسيير والإدارة فحسب، بل من أجل الوقوف والحرص على المضمون أيضا، للدفع بالقناة، وبالتالي باقة القطب العمومي إلى الأمام، وجذب المزيد من المشاهدين، لنرى.
جمال الخنوسي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق