11‏/01‏/2010

وزارة الصحة تمارس التعتيم في قضايا أنفلونزا الخنازير

تطبق "برابغندا" باهتة في التلفزيون وتعتبر ضحايا اللقاح أمواتا ب"الصدفة"



إقبال هزيل على حملة التلقيح. فرنسا وبلجيكا تبيعان مخزونهما من لقاح أنفلونزا الخنازير. وفيات غامضة بسبب التلقيح ... أنباء كثيرة ومعلومات تنتشر هنا وهناك على صفحات مجموعة من الجرائد المغربية. "الصباح" تحدثت عن وفاة سجين، جريدة أخرى تحدثت عن أربع وفيات، معلومات غاية في الأهمية والخطورة يحتاج المغاربة إلى توضيح في الرؤية وجوابا على كافة الأسئلة.
وزارة الصحة، المسؤول المباشر عن هذه القضية، أقفلت كل الأبواب، منذ مدة، ولم يعد يعني لها التواصل سوى أرقام المصابين والموتى وبلاغات يتيمة جافة لا تشفي الغليل ولا تجيب على سؤال، الأرقام الهاتفية للمسؤولين مشغولة أو هم في اجتماع دائم، إلى أن طلعت علينا، يوم أول أمس (الاثنين)، الوزارة الوصية، ببلاغ آخر تحدثت فيه عن عدم وجود أي علاقة بين حالات وفاة وحالة شلل ببعض مناطق المملكة والتلقيح ضد أنفلونزا الخنازير. وأوضحت الوزارة أن النتائج النهائية للتحريات الطبية حول "الحالات التي أشارت إليها بعض الصحف وربطتها بالتلقيح، منها حالتي الوفاة بغفساي وحالة الشلل في مديونة وحالة الوفاة بالمركب السجني بابن سليمان وحالتي وفاة لنساء حوامل"، أظهرت "عدم وجود أي علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين الحالات المذكورة والتلقيح ضد الأنفلونزا"، مضيفة أن هذا التلقيح "خضع لكل إجراءات المراقبة الضرورية".
وأشار البلاغ إلى أن الملفات الطبية التي تخص هاته الحالات متوفرة لدى وزارة الصحة ويمكن الاطلاع عليها من طرف الأطباء والهيآت المخول لها ذلك.
طيب، إذا ما افترضنا صحة هذه المعطيات التي جاءت في هذا البلاغ البليغ، من حقنا أن نتساءل من قام بهذه التحقيقات ومتى ولماذا كل هذا التأخير؟ إذ أن انتشار الشك في عقول المواطنين تسبب في حالة الفتور التي قوبلت بها حملة التلقيح. فمنذ أن أطلقت وزارة الصحة ما سمته "المرحلة الأخيرة" من الحملة الوطنية للتلقيح ضد أنفلونزا الخنازير، من خلال تعميم التلقيح على كل الفئات بالمجان، لم يتدافع الناس إلى 1258 مركزا التي تحدثت عنها الوزيرة ياسمينة بادو قائلة، "إن النتائج الأولية تبعث على الاطمئنان"، أي اطمئنان إن كان الناس لا يثقون في خطابات الوزارة ولا في حملاتها الإشهارية التي تظهر لهم مستشفيات "مستقبلية" في التلفزيون تنتمي إلى الخيال العلمي؟ إذ لم يشهدوا لهذه المستوصفات "الفخمة" مثيلا لا في مدن صغرى ولا حتى في كبريات المدن المغربية (!).
وارتباطا ب"البرابغندا" ذاتها، طلع علينا، قبل أيام، مسؤول في الوزارة الوصية، وأخبر المواطنين الحائرين على شاشة القناة الثانية، في نشرة الظهيرة، أن وفاة "بعض" من يخضعون للتلقيح "مجرد صدفة" (!) في حين قررت أسرة أحد الضحايا، الذي شل بعد خضوعه للتلقيح، اللجوء إلى القضاء، وطالبت بمليوني درهم تعويضا مبدئيا، وستنظر المحكمة الإدارية في الملف آخر الشهر الجاري.
إن وزارة الصحة تلعب دور الخصم والحكم وتتحكم في كل دواليب اللعبة، إذ ترسم ملامح السياسة الصحية، وتنفذها، وتراقب نفسها ... فهل سيمنح لها هذا الوضع المصداقية؟ أليس من حقنا أن نتساءل عن مآل 834 مليون درهم التي أنفقتها الوزارة على انفلونزا الخنازير بعد أن استنسخت "بشكا ببغاوي موديلا فرنسيا"؟ من سيراقب صرف مثل هذه الميزانية الضخمة ومن استفاد منها؟
وغير بعيد عنا، قررت الحكومة الفرنسية، منذ شهرين، التخلص من جزء كبير من مخزون اللقاحات ضد أنفلونزا الخنازير التي اقتنتها لمواجهة الوباء، من خلال بيعها إلى "البلدان الأجنبية".
وتعلل فرنسا هذا الإجراء بأن وزارة الصحة بها اقتنت من المختبرات حوالي 94 مليون جرعة، بمعدل جرعتين لكل شخص يتم تلقيحه، إلى أن أكدت مذكرة للوكالة الأوربية للدواء في فاتح نونبر الماضي أن جرعة واحدة تكفي للوقاية.
وأشارت جريدة "لوباريسيان" نقلا عن مصدر في وزارة الصحة، إلى أنه تم إجراء مفاوضات سريعة مع كل من قطر ومصر والمكسيك وبلغاريا ورومانيا وأوكرانيا للتخلص من المخزون، مضيفة أن فرنسا تقترح اللقاح بالسعر الذي اقتنته به، غير أنها تواجه منافسة من قبل البلدان الراغبة في تصريف مخزونها كألمانيا وسويسرا وهولندا، أما بلجيكا فقد قررت "التصدق" ب10 في المائة من مخزون اللقاحات لفائدة الدول النامية، كل هذا لأن الوباء ليس كما تصور الجميع أو كما صورته لنا كبريات شركات الأدوية والمختبرات العالمية، التي سوقت لقاحا لم يتم تجريبه بالشكل اللازم أو إخضاعه للدراسة بالشكل الأمثل.
جمال الخنوسي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق