08‏/03‏/2006

نزيف إغلاق القاعات السينمائية مستمر..
هل هي نهاية السينما بالمغرب ؟

أقفلت العديد من القاعات السينمائية بمدينة الدار البيضاء و كذا الأمر بالرباط و طنجة و أكادير و فاس و مكناس و غيرها من المدن المغربية . آخرها كانت القاعة الوحيدة بمدينة مرتيل و التي من المنتظر أن يتبعها إغلاق جميع قاعات مدينة تطوان. ويستمر نزيف السينما المغربية التي يلزمنا بطرح أسئلة مصيرية محرقة حول السينما في المغرب و حول السينما المغربية بالخصوص. كيف ستستمر في تطورها إن كانت القاعات تتراجع؟
لقد ذهب البعض لاعتبار القفزة التي عرفتها السينما المغربية مؤخرا ثورة أو انتفاضة سينمائية قفزت بالمغرب للصفوف الأمامية إفريقيا و عربيا حيث أنتجت في السنوات الأخيرة أفلام متميزة شاركت و فازت في مهرجانات دولية مختلفة. هذا التطور تم على مستويين : الأول على المستوى الكمي حيث أصبح المغرب ينتج بين 10 و 15 فيلما في السنة. و الثاني على المستوى النوعي حيث أصبح الإنتاج متنوعا فأصبحنا نجد أفلاما كوميدية كفيلم "فيها الملح و السكر" لحكيم النوري أو "باندية" لسعيد ناصري و أفلام لما يسمى بسنوات الرصاص ك" شاهدت اغتيال بنبركة" أو "جوهرة" لسعد شرايبي. أو "درب مولاي شريف" لحسن بنجلون و أفلام ما أصبح يصطلح عليه بسينما المهاجرين كفيلم "النظرة" لنور الدين لخماري و "ماروك" لليلى المراكشي و "الراقد" لياسمين قصاري.
لكن أمام هذا التطور الذي ساهمت فيه بشكل مباشر سياسة الدعم التي يتبعها القطاع الوصي و التفاؤل الذي اعترى المتتبعين و المشتغلين في الحقل السينمائي يبقى مشكل القاعات عائقا كبيرا و نقطة سوداء تعيد للجميع سحنة التشاؤم و تطرح أسئلة محرجة ربما مرتبطة بكينونة السينما بالأساس. هل هي نهاية السينما بالمغرب؟ وما الفائدة من إنجاز أفلام لا تشاهد إلا في المهرجانات؟
آخر القاعات التي أغلقت أبوابها قاعة "الريف" بمدينة مارتيل يقول عنها أيوب الأنجاري الكاتب العام للجامعة الوطنية للأندية السينمائية أنها قاعة تم إعادة تجهيزها مؤخرا بأحدث المعدات حيث يقام فيها ملتقى مرتيل للسينما المغربية الإسبانية و الذي ينظمه نادي مرتيل للثقافة و السينما و من المنتظر أن يتم السماح بشكل استثنائي بتنظيم المهرجان في دورته السادسة شهر ماى القادم كآخر أنفاس هذه القاعة مما يطرح بشكل ملح السؤال حول مصير هذا المهرجان في ظل غياب قاعة للعرض. و يضيف الأنجاري بأن رب القاعة مضطر لإغلاقها لأنها لم تعد تحقق أية مداخيل و لا يمكنها توفير حتى أجرة السبعة عمال الذين يشتغلون فيها. و من المنتظر أن تلحق القاعات الثلاث بمدينة تطوان بالركب في القريب العاجل.
و في مدينة سيدي قاسم تتحول القاعة الوحيدة لنشاط غريب كل نهاية الأسبوع حيث تتخلى عن عرض الفيلم "الهندي و الكاراطي" من أجل نقل أطوار البطولة الإسبانية و توفير دخل قار للقاعة.
و يقول سعيد ر. و هو مسؤول عن قاعة سينمائية كبيرة بالدار البيضاء إن الأفلام المغربية هي الوحيدة الآن القادرة على توفير جمهور للقاعات خصوصا مع أفلام كالأجنحة المنكسرة" لعبد المجيد رشيش و "السمفونية المغربية" لكمال كمال و "فيها الملح و السكر" لحكيم نوري.أما الأفلام الهوليودية فقد شاهدها الجمهور في الديفيدي و الفيسيدي قبل عرضها في القاعات!!
ويقول المخرج المغربي محمد اسماعيل :"إذا لاحظنا عدد الأشخاص الذين شاهدوا فيلمي "هنا و لهيه" وهو 54000 بالمقارنة مع "و بعد" الذي عرض سنة 2002 في نفس المرحلة تقريبا و الذي حقق حينها 600.000 متفرج فسنستنتج الفرق الشاسع خلال مدة ثلاث سنوات. القاعات التي تغلق أبوابها، بسبب القرصنة، و عزوف الجمهور... هذا الرقم يجعلنا نفكر بجد، ونتساءل ما الذي يحدث؟ إلى أين تمضي السينما، فوتيرة الإنتاج ممتازة و لكن أين سنعرض هذه الأفلام. فحين لا يحقق فيلم حاصل على مجموعة من الجوائز مثل شريط داوود ولاد السيد حسب الأرقام المنشورة حتى 3000 مشاهد.. لمن ننتج هذه الأفلام؟ لماذا نصرف هذه الميزانية الضخمة ؟ أليس من الأفضل أن نبني بها مدارس أو مستوصفات و نحن في حاجة جد ماسة لهذه الأشياء .. 5 مليارات مخصصة لدعم الإنتاج لمن توجه إذ لم تصاحبها نظرة للقاعات السينمائية، ولدعم الصناعة السينمائية. شريط هنا ولهيه تمت قرصنته مبكرا ليس هذا فحسب بل حتى شريطي الحالي "و بعد" وجدته مقرصنا بسبع نسخ مختلفة عن بعضها، من طرف سبع شركات مختلفة. وأفلامي التلفزيونية كذلك مثل شريط "علال القلدة" ستجدها مقرصنة. لو افترضنا وجود "بوكس أوفيس" للأفلام المقرصنة لكان هذا الفيلم التلفزيوني كذلك في قائمة المبيعات، لأنه يباع بصفة رسمية و علنا بعد أن عرض في التلفزيون. إنها كارثة .. تجد شريطا أمريكيا لم يعرض بعد في القاعات تباع نسخه المقرصنة على أبواب القاعات نفسها، كيف يمكن أن تتوقع من هذا المتفرج أن يدخل لمشاهدة عرض سينمائي .. وكم هو أصلا عدد القاعات المتبقية، في الدار البيضاء مثلا آخر قاعة أغلقت أبوابها هي سينما "النصر" علما أنها كانت قد أصلحت و صرفت عليها أموال كثيرة. وحسب ما وصلنا من أخبار ستغلق أحسن و أكبر سينما في البيضاء و هي اللانكس. و في أكادير، حيث لم تبق إلا قاعة واحدة و هي التي احتضنت المهرجان الأخير. أغلقت بدورها. أين سيعقد هذا المهرجان العام المقبل؟ فعلا نحن نعرف أن كل المدن الساحلية كالجديدة و آسفي و الصويرة عرفت إغلاق قاعاتها السينمائية. و إذا استمر الحال هكذا فحتى المركبات الكبرى من قبيل ميجاراما ستغلق أبوابها، خاصة و أنها لا تشغل إلا ست أو سبع قاعات من أصل 14، و أتعجب بعد ذلك كيف يحقق فيلم "فيها الملح و السكر ومبغاتش تموت. 31.000 مشاهد ( فيلم جماهيري أكبر من هذا لا يوجد). هذه هي النقط التي تجعلنا نطرح أسئلة على أنفسنا إلي أين نذهب؟ و كيف؟ إن هناك وسائل جزرية لمحاربة الظاهرة و قانون لا بد من تفعيله و تطبيقه لحل مشكل القرصنة لأنني بصراحة أعتقد أن بلدنا ليس دولة الحق و القانون، إذ لماذا نعاقب مجرما سرق و لا نعاقب - المقرصن - أليس متطاولا على ملكية الغير، بأي حق سيبيع فلمي أو عمل أي كان بدون إذن. والأغرب أننا عندما كنا في طنجة مثلا و في أكبر مهرجان وطني للسينما لاحظنا على طول شوارعها محلات كاملة مليئة ببضاعة مقرصنة و لا أحد "يغير المنكر".
تبقى إذن القرصنة هي المشكل الأساسي و لابد للدولة أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الإطار. ليعود على الأقل المهتمون بالسينما للقاعات مادامت الأفلام أصبحت تعرض في نفس الوقت الذي تعرض فيه بشكل رسمي بفرنسا. كما هو الحال في البادرة التي قامت بها قاعة سينما "الفن السابع" مع فيلم "ميونيخ" لستيفن سبيلبرغ.. ننتظر !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق