12‏/03‏/2006

بعد أن مهد لها الطريق "جبال بروكباك" جاء دور الفيلم المغربي التونسي "الخشخاش" و المصري ماكيجي نرقص" ليؤجج الحوار حول
المثلية : طردت من الباب فدخلت من السينما

لوحظ في الآونة الأخيرة ظهور مجموعة من الأفلام تتخذ من موضوع المثلية تيمة أساسية لها عكس ماكان يتم من قبل حيث كانت الإشارة "محتشمة" و هامشية وتستغل أساسا لغرض كوميدي. و وهذا الأمر لا يقتصر على السينما الغربية فحسب بل انتقل للسينما المصرية و التونسية و المغربية أيضا التي تتسم بكثير من الجرأة و الشجاعة التي يخولها هامش الحرية الواسع الذي تتمتع به.
أشهر الأفلام المغربية التي تطرقت للمثلية كان فيلم "باي باي سويرتي" لداوود أولاد السيد الذي يحكي قصة ربيع الذي أدى دوره بإتقان و شجاعة قل نظيرها الفنان عبد الله ديدان ثم نجد كذلك الفيلم الثاني لعبد القادر لقطع "الباب المسدود" سنة 1993 الذي يصور قصة المعلم ، الشاذ الجنسي الذي يعمل في قرية نائية بنواحي ورززات و ينتهي به الأمر نهاية مأساوية بالإنتحار. خلافا لذلك ترسم ليلي المراكشي صورة الشاذ الجنسي كشخص راض بانتمائه . فإدريس الذي يقوم بالدور رشيد بنحساين هو "صديق البنات" ولا تزعجه ميولاته بأي شكل من الأشكال و لا يجد أدنى حرج في التغزل بأصقاء صديقاته. و ربما ما سهل لبنحساين الفتى الرباطي أداء هذا الدور هو إقامته في فرنسا إضافة لكون الفيلم ينحصر "فقط" في الإظهار "هذه النماذج" بالحلقة الضيقة و المغلقة لطلبة "ليسي ليوطي".
وإذا أخذنا جولة في الأفلام المصرية القديمة والحديثة، سنجد أن من أشهر صور الشذوذ في السينما المصرية، قيام ممثلين ذكور بأداء دور سيدات، حتى أنه بات معيار الحكم على مهارة الممثل الكوميدي هو مدى نجاحه في تمثيل دور سيدة!
وآخر هؤلاء بالطبع محمد سعد في فيلم "عوكل"، ومحمد هنيدي في عدد من الأفلام والمسرحيات، إلا أن الأشهر على الإطلاق هو الممثل الراحل عبد المنعم إبراهيم الذي رشح لدى عدد كبير من النقاد بأنه أنجح "ممثلة" (!!) كوميدية في تاريخ السينما المصرية. و في الكثير من الأحيان يلجؤ مخرج الفيلم للتلميح الذي قد لا ينتبه له أحد، وهو الأكثر انتشاراً في الأفلام؛ بما أنه غير مفهوم لدى طائفة كبيرة من المشاهدين، ومن أشهر هذه "تلميحات" حسب الناقد المصري علي عبد المنعم، جملة "لو عايزني مدحت أكون لك مدحت"، التي قيلت في فيلم "الإرهاب والكباب"، حينما كان عادل إمام يبحث عن شخص اسمه مدحت في إحدى دورات المياه، فقال له أحدهم هذه الجملة. ونتيجة لترديد هذا "التلميح" لدى كثير من الشباب، صغاراً وكباراً، صار اسم "مدحت" رمزاً للشذوذ في المجتمع المصري، ولذا تم حذف المشهد برمته عندما عرض الفيلم في التليفزيون المصري.


في هوليود تم التعامل مع الظاهرة بحرية محتشمة ودائما مع الحفاظ على نفس الرؤية و المحاسبة الأخلاقية أو في أبعد الحدوداعتبارها ظاهرة هامشية و ثانوية تزيد من جمال أو قبح الفيلم. و لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون قصة أو قضية محورية إلى أن جاء فيلم "جبال بروكباك" للمخرج التايواني المتوج مؤخر بأوسكار أحسن مخرج عن نفس الفيلم. حيث صرخ في وجه النقاد :" لا تقولوا إنه فيلم عن شذوذ رعاة البقر بل قولوا إنه قصة حب أمريكية من التراث!" و الأمر الذي زاد من الحساسية تجاه قصة هذا الفيلم أن بطليه من رعاة البقر أي من صلب المجتمع الأمريكي و رمز من رموز حضارتها. و هو يحكي حكاية حب شاذ بين اثنين من رعاة البقر.. كانا يعملان معا في مزرعة للماشية والأغنام وارتبطا بعلاقة عاطفية تطورت لتصبح شذوذا حقيقيا .. كانا ينامان معا في حظيرة المزرعة وكان سرير أحدهما يعلو سرير الآخر وتحول الليل إلى صقيع بارد فزحف أصغرهما إلي سرير صاحبه واحتضنه بحثا عن الدفء وجرت الأمور عادية.. الفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة كتبتها الأديبة الفائزة بجائزة بوليتزر آني برولكس ونشرتها في جريدة «نيويوركر» وتحكي عن چاك «جيك جرينهال» واينس «هيث لودجر» الأول راعي بقر يمارس الروديو والثاني عامل في مزرعة للأغنام يتلاقيان في صيف عام 1963 وهي قصة عن حب شاذ ممنوع بين رجلين، حب يدمره موقف المجتمع المحيط بهما الذي يرفض الاختلاف .. والرجلان قد يمارس أحدهما الجنس مع الآخر، لكنهما ليسا كالنموذج السلبي المتعارف عليه عند المصابين بمرض «الإيدز» الذين تراهم في الأفلام بين وقت وآخر، فجاك واينس يحبان بعضهما حبا حقيقيا نابعا من القلب .. فعندما يلتقي راعي الأغنام اينس وبطل رياضة «الروديو» فوق جبل بروكباك، وقد أسند إليهما عمل جمع الأغنام من مراعيها لكن كلا منهما يرعى الآخر بدلا من الأغنام .. إنهما كزوجين يعيشان معا خلال النهار يذهب أحدهما يهتم بالقطيع بينما يبقي الآخر لإعداد المخيم وطهي الطعام في انتظار صاحبه.. ليأكلا ويشربا ويعزفا الموسيقي لكنهما لا يتحدثان كثيرا ينمو ارتباطهما من خلال الصمت وذات ليلة يدخل واينس خيمة جاك بحثا عن الدفء ويتعانقان ويتلاصقان .. وفي الصباح التالي لا يجرؤ كل من الرجلين للنظر إلي الآخر ويقول اينس : أنا لست شاذا ويجيبه جاك ولا أنا أيضا ويغادران «جبل بروكباك» على وعد باللقاء لكن بعد السحر الذي صادفاه على الجبل لا يجد أي من الرجلين ملاذا ومستقرا .. يذهب جاك إلى بطولات الروديو لكنه يشعر بالوحدة ويتزوج واحدة من ملكات الروديو ويتزوج اينس أيضا من الما «ميشيل وليامز» وينجب طفلين لكن الرجلين يعيش كل منهما حياة عامرة باليأس والإخفاق، وبعد أربع سنوات يقصد جاك مكان اينس وبمجرد أن تتلاقي أنظارهما يدرك كل منهما أن حبه للآخر حب حقيقي ويمر الوقت، وفي عام 1975 يحصل اينس على الطلاق ويلتقي جاك ليجدا المتعة معا في الذهاب إلى رحلات صيد السمك .. الفيلم حصد 3 جوائز أوسكار و 4 جوائز جولدن غلوب

العادات والتقاليد في مجتمعات الشرق تجعل الحديث عن الحرمان العاطفي والجنسي من المحظورات ناهيك عن الشذوذ الجنسي مما يسفر في أحيان كثيرة عن قيام زواج يفتقر الى المصارحة والعاقبة هي تدمير احد طرفي العلاقة.
وقد تناولت المخرجة التونسية سلمى بكار هذا الموضوع بجرأة مشيرة الى ضرورة طرح هذه المشاكل الخفية والتعامل معها كي نجد لها حلا وأنها لا تقل أهمية عن أي سلبيات في مجتمعاتنا العربية.
وفي فيلمها (الخشخاش) كان شذوذ الزوج والحرمان العاطفي والجنسي أسبابا توحدت لتدفع (زكية) بطلة الفيلم لإدمان نبتة الخشخاش المخدرة في محاولة منها للتغلب على ما تعانيه من حرمان وتجاوز أزمة تفشت في مجتمعات عربية بينما لا يزال نطاق طرحها في الاعمال الفنية محدودا.
وقال النقاد عن جرأة تناول فيلم (الخشخاش) أو (زهرة النسيان) للمخرجة التونسية سلمى بكار في حديثها عن ظاهرة الشذوذ الجنسي في المجتمعات العربية إنها تجاوزت مجرد الإثارة المقدمة في أفلام الجنس.
وقالت المخرجة سلمى "هذه مسائل في غاية الأهمية لكن للأسف التعامل معها لا يزال في البلدان العربية من المحظورات رغم ما يدعى من تحرر". وأضافت سلمى بكار التي أخرجت سابقا فيلمين هما (فاطمة) عام 1975 و(رقصة النار) عام 1994 في مقابلة مع رويترز إن تناول مثل هذه القضايا لا يعني السقوط في الاسفاف أو انحطاطا في الاخلاق.
وقالت "فلنبدأ اذن بطرح مشاكلنا المخفية قبل أن نواجه القضايا المعقدة". وتابعت " رسالتي هي أن تستطيع المرأة في بلدي اليوم التعبير عن حقها الطبيعي في الاستمتاع بحياتها العاطفية في اطار الزواج وحقها أيضا ان لاتصمت على شذوذ زوجها".
ويروي فيلم (الخشخاش) ومدته ساعتان وهو انتاج تونسي مغربي مشترك قصة امرأة تدعى زكية تزوجت تحت ضغط أسرتها من رجل ثري لتفقد في النهاية صوابها وتصاب بالجنون. وتبدأ مأساة (زكية) منذ الايام الاولى لزواجها حيث تعيش حرمانا عاطفيا وجنسيا بعد أن تبينت أن زوجها شاذ جنسيا مما دفعها الى إدمان نبتة الخشخاش المخدرة لتعويض رغباتها وتجاوز مأساتها المخفية مع زوجها. وفي النهاية يؤدي إدمان زكية المخدرات الى تدهور صحي أثر على أعصابها ونفسيتها لتجد نفسها نزيلة مستشفى الأمراض العقلية والنفسية وتبدأ حياة جديدة مع نزلاء المستشفى الذين أبرزتهم مخرجة الفيلم على أنهم ضحايا تقاليد وممارسات خاطئة وظروف اجتماعية قاهرة. لكن معاناة هذه المرأة تنتهي بالتعرف على (خميس) نزيل المستشفى الذي يعاني بدوره من مأساة مشابهة والذي وفر لها ما افتقدته من حب واهتمام منهيا أوجاعه وأوجاعها ورافضين الرجوع الى عالم العقلاء.
ونفت المخرجة التونسية الادعاء القائل بأن تناول هذه المسائل لا يهم الا فئات قليلة في المجتمع معتبرة أنها قضايا تمس أي شخص يرفض الافصاح عن عادات سيئة يتم توارثها في المجتمع.
وتضيف سلمى "الصمت والغموض والانكماش والخوف من التطرق لمواضيع مثل هذه أحد أسباب تخلفنا فكيف يمكن أن نلتفت الى قضايا كبرى جدا ونحن مازلنا لم نجرؤ بعد عن الحديث عما نعانيه."
و يلاحظ الناقد محمد عبد الرحمان على السينما المصرية أنه بالرغم من عمرها الطويل والذي يزيد عن المئة عام لا تزال تعاني من انفصام في الشخصية فيما يتعلق ببعض الأدوار الحسّاسة التي يهرب منها الممثلون والممثلات تفادياً للمشاكل ولنظرة المجتمع السلبيّة، فمازال الجمهور يحبّ السينما إلا أنّه يصنّف نجومها حسب الأهواء والتقاليد رافضاَ الاعتراف بأنّ هناك انفصالاً بين الدور ومؤدّيه ، وقد واجهت أسرة فيلم "عمارة يعقوبيان " مأزقا حقيقيا عندما رفض الفنّان فاروق الفيشاوي وعدّة ممثلين آخرين مجرّد مناقشة أمر قبولهم دور الصحافيّ الشاذّ جنسيا فى أحداث الفيلم المأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم، لدرجة أنّ الفنان عادل إمام إنتقد الفيشاوي علناً فى مؤتمر صحافيّ وقال "لا أعرف لماذا يهربون من هذه الأدوار، هل سيركض الناس وراء الممثّل فى الشارع لأنّه ظهر في هذه الشخصية "، وبالطبع أشاد عادل أمام بالممثّل خالد الصاوي الذي قبل الدور دون تفكير و علّق الصاوي بأنّ الشاذّ جنسياً شخصية موجودة في الحياة، والسينما ليس أداةً لتجميل الواقع ،لكنّ شجاعة هذا الممثّل تعتبر حالة استثنائية.
بدأت أدوار مثيلي الجنس تظهر فى السينما المصريّة بخجل ، و بأشكال غير مباشرة ، فكان يتمّ تقديم الشخص الناعم الأقرب للفتاة بصورة كوميديّة، وغالباً ما يحمل اسماً أنثويا مثل "لوسي " ونذكر هنا الفيلم الشهير "إشاعة حب" بطولة يوسف وهبي وعمر الشريف ،كان من يقوم بهذه الأدوار أشخاص لا يمثّلون بل هم في الحقيقة يمارسون حياتهم بنفس الطريقة ،وبالتالي لم يظهروا في أدوار أخرى،فلم يكن المخرجون يبذلون جهداً في البحث عن ممثّل يقبل الدور، أو تدريب الممثل الذي قبل الدور .
بالطبع كانت كلمة "الشاذّ جنسيا "غير موجودة بل يطلق عليه "خنفس" وهو لفظ كان يطلق فى تلك الفترة على كل من يقلد الغربيين والفرق الغنائية المنتشرة آنذاك وخصوصًا فيما يتعلق بإطالة شعر الرأس وارتداء ملابس ضيّقة وبألوان فاقعة ، وهكذا ظلّ الشاذّ أو الرجل الذي يقلّد النساء مصدر ضحك في الأفلام حتّى بداية السبعينات عندما تحرّر المجتمع بعض الشيء من الحديث عن الشذوذ الجنسي وأصبح لدى البعض الشجاعة فى تناول الشخصية إلا أنّ الأمور لم تكن سهلة ، خصوصاً وأنّ معظم الشخصيات كانت للشاذّ السلبي الذي يبحث عن الذكور ، ومع انتشار شائعات كل فترة عن إصابة أحد الفنانين بهذا "المرض" فإنّ الابتعاد عن هذه الأدوار كان أفضل للجميع فالناس ستربط بين الشخصيّة على الشاشة والممثّل كإنسان يعيش بيننا ، ولهذا استعان المخرج يوسف شاهين بصديق له هو أحمد محرز لأداء هذه الشخصية في فيلم "إسكندريّة ليه " وهو من الممثّلين الذين لا يظهرون إلاّ في أفلام يوسف شاهين ، بالتالي هو متحرّر من أيّ قيود قد تفرضها هذه الأدوار .
وكانت مفاجئة فى منتصف السبعينيات أن يقبل الفنّان يوسف شعبان أداء دور فنّان تشكيلي يبحث عن متعته فى حمّام شعبي للرجال في فيلم "حمام الملاطيلي" وبالتأكيد تأثّر شعبان سلبيّاً بهذا الدور ولعلّه يقول لنفسه دائماً كان من الأفضل ألاّ أكون شجاعاً , ثم مضت سنوات كثيرة ولم تظهر هذه الأدوار مرّةًَ أخرى خصوصاً مع انهيار مستوى السينما مع نهاية حقبة الثمانينات ، ليواجه السيناريست وحيد حامد هذه الأزمة مجدّداً مع فيلم "ذيل السمكة" الذي رفض عدد كبير من الممثلين أداء مشهد لرجل ثريّ يعاني من الشذوذ الجنسيّ، وقبله ممثل موهوب غير مشهور هو رؤوف مصطفى ونال عنه جوائز .
و يضيف محمد عبد الرحمان أن هناك من هاجم وحيد حامد بدعوى أنّه أظهر هذه الشخصية دفاعاً عن حقوق الشواذ ، كان هذا قبل 3 أعوام والمفارقة أنّ فيلم "عمارة يعقوبيان" كتبه أيضا وحيد حامد الذى استمر تعجّبه من هذا الرفض وكأنّ المجتمع لا يتطوّر، ثم طالما ظهرت الشخصيّة في الراوية فلماذا لا تظهر في الفيلم، وهكذا تظلّ المعركة مستمرّة وستتجدّد مع ظهور دور آخر يبحث عن ممثّل خصوصًا وأنّ الممثّل الذي سيؤدّي الدور مرّة لن يجرؤ على تقديمه مرّةً أخرى، والا التصقت به الصفة للأبد .
و الشذوذ الجنسي في "عمارة يعقوبيان" مختلف وله أبعاد أخرى بعكس جميع الأعمال الفنيّة التي تحدّثنا عنها في ما سبق . فشخصيّة الصحافيّ الشهير حاتم رشيد شخصيّة رئيسيّة في الرواية وهناك من يقول بأنّها تشير إلى شخصيّة واقعيّة، وبالتالي فإنّ تقديمها بالتفاصيل نفسها لن يخلو من المشاكل، كما أنّ الرواية تتحدّث عن تفاصيل العالم السريّ للشواذ جنسياً، وكيف يتمّ اصطياد الذكور و إغوائهم، وسيتمّ أيضاً تقديم شخصيّة "الشاذّ الإيجابي "بوضوح في الفيلم الذي سيعتبر محكّاً مهمّاً لهذه الأدوارلعلّ بعده لن يجد أحداً حرجًا في تقديم الشخصيّة طالما لها أهميّة درامية وليس كوميدية.
جمال الخنوسي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق