05‏/03‏/2006



في حوار للمخرج الشاب "رشيد حمان" مع جريدة "صوت الناس":
"سينما المهجر جاءتنا بجرأة نحن في أمس الحاجة لها"
فاز فيلمه القصير "ويكاند" بجائزة أفضل فيلم قصير في المهرجان الوطني الأخير للفيلم بطنجة . كانت مفاجأة كبيرة لشاب مازال يخطو خطواته الأولى في المجال السينمائي . لما تقدم لتسلم جائزته لم يقو على التعبير عن فرحته العارمة بهذا التتويج الغير المنتظر. إلتقته جريدة "صوت الناس" في لقاء حميمي اكتشفنا فيه أن المخرج الشاب هو قارئ شغوف و ملم بقضايا مختلفة على الساحة. فعندما كان يقرأ الصغار من سنه قصصا طفولية، كان هو يتصفح الإلياذة و الأوديسا و كافكا. في الحوار التالي يفتح لنا رشيد حمان ، الوجه التلفزيوني المعروف ، دروب مسيرته السينمائية الفتية.
* كيف كانت بداية رشيد حمان؟
** لقد كانت بدايتي في جامعة بن مسيك بالدار البيضاء مع أجواء المهرجان الدولي للمسرح الجامعي. درست الأدب الفرنسي ثم تخصصت في السمعي البصري. وبموازاة ذلك كنت أمارس أنشطتي المسرحية كمساعد مخرج وممثل أيضا. نقطة التحول في مساري هو مشاركتي في كاستينغ للقناة الثانية بالرغم من صغر سني. فاشتغلت كمنشط لبرامج الأطفال ك"نادي الأشبال" وهو برنامج مسابقات، كنا نجول المغرب بأكمله في زيارة للمدارس وخصوصا في البوادي بحثا عن أطفال مميزين ذوي مواهب. لقد كانت تجربة فريدة حقا. ثم قدمت برنامج "رمال" و برانامجا للشباب اسمه "أونتراكت" صحبة نادية لارغيت. وبعده برنامج "دنيا البيئة" . كنت أشتغل في تقديم البرامج وفي نفس الوقت أتكلف بالإنتاج. قدمت "دنيا البيئة" مدة سنتين.
* "دنيا البيئة" برنامج كان يقدم بالفرنسية ثم انتقل إلى اللغة العربية، لما هذا التغيير؟
** إن البيئة أصبحت هم الجميع ومشكلة تمس كل شرائح المجتمع. وفي كثير من الأحيان يتوجه لمشاكل البادية، فكان لابد من تعريب البرنامج حتى يمس أكبر وأوسع شريحة ممكنة من المشاهدين.
بعد ذلك بدأت أعد برامج كبرى وضخمة في القناة الثانية من بينها "15 سنة 15 موهبة" و «استديو 2M» و «شالينجر» وهذه برامج كبيرة تتكلف بها شركة للانتاج بمساعدة وتحت إشراف القناة الثانية. وبموازاة كل هذا كنت أحاول إنجاز فيلمي القصير الأول لأني شاركت في العديد من المرات في مسابقة "الركاب" السينمائية وكنت دائما أحتل المرتبة الثالثة بينما كانت اللجنة تختار فيلمين فقط. وبعد النداء الذي وجهه نور الدين الصايل بصفته مدير المركز السينمائي المغربي لمجموع المخرجين الشباب من أجل إنجاز أعمالهم الأولى تم اختيار فيلمي "ويكاند" ثم فيلم "القلق".
* لنتحدث عن الفيلم القصير "ويكاند"
** هذا الفيلم يحكي قصة معلم من الدار البيضاء يعمل في مدرسة بإملشيل وكل يوم سبت يأخذ كرسيا ويلبس أحسن بدلة لديه للذهاب من أجل الجلوس أمام الطريق وينظر للسيارات ويتأملها. وفي يوم من الأيام تأتي معلمة للضفة الأخرى من الطريق وتحضر هي أيضا كرسيها فيحس بنوع من الألفة ويأخذ ذلك اللقاء طعما آخر. لكن هذا اللقاء لن يدوم طويلا وتنقطع المعلمة عن القدوم للمكان المحدد. مما يشعر المعلم بنوع من الإحباط . هذه على العموم قصة الفيلم إنها قصة خيالية ومع ذلك فمصدرها حقيقي حيث أن أخي كان يحكي عن بعض أصدقائه المعلمين الذين كانوا يشتغلون في الجنوب أو في الأطلس ، وكانوا يلبسون بدلاتهم للذهاب إلى جانب الطريق المعبد من أجل مراقبة السيارات وكأنهم ذاهبون للقاء غرامي!! وعندما أردت كتابة سيناريو الفيلم تذكرت قصتهم ووجدت أنها تعطي الفرصة لتصوير ديكور رائع ومناظر خلابة.
* ما هو الخطاب الذي أردت تمريره من خلال فيلم "ويكاند"؟
** لقد تعلمت من خلال تجربتي أن للصورة وقع وتأثير طال الوقت أم قصر. تأثير تدريجي وليس قاطعا وحادا .والخطاب الذي أردت إيصاله هو أننا نعيش جميعا في المغرب نوعا من السفر الذهني، منشغلون بما يجري عند الآخر سواء كان غريبا في الضفة الأخرى أو شرقيا. أنظارنا موجهة نحو الآخر حيث يصبح كل ما عندنا أو نقوم به لا قيمة له. خلافا مما يأتينا من الآخر أو نراه عنده. حقيقة لنا مشاكل وهناك صعوبات، لكن في الحقيقة مشكلتنا هي في صورتنا، أي كما نرى أنفسنا. وكما يحلم المعلم بمدينة الدار البيضاء وبالمعلمة الموجودة في
الجانب الآخر من الطريق يحلم كل أفراد مجتمعنا بالضفة الأخرى والعالم الآخر. إن الحلم أمر شرعي لكن يجب أن يوجه نحو مجتمعنا .. الآن وهنا ونغير وضعيتنا من الداخل وربما جميع أعمالي تسير في هذا الاتجاه.

* وكيف كان تعاملك مع عزيز حطاب؟
** لقد كان فيلمي الأول والكل كان يعرف ذلك جيدا لا عزيز حطاب ولا التقنيين المشاركين في الفيلم، وفي نفس الوقت كانوا يعرفون أن لي تجربة سابقة مع الممثلين وتسيير الأعمال. كان هناك وجل وقد تبدد الأمر بعد طرحنا لعملنا بشفافية مطلقة خصوصا أنني مع عزيز حطاب من نفس الجيل.
* كيف كان إحساسك عندما فزت بجائزة أفضل فيلم في المهرجان الوطني بطنجة؟
** في الحقيقة كنت ملتزما بأعمال أخرى عند انعقاد المهرجان، وقررت الحضور لطنجة فقط يوم عرض الفيلم. إلا أنه بعد التحاقي بالدار البيضاء، كثرت الاتصالات الهاتفية التي تعبر عن إعجابها بالفيلم وعن الصدى الطيب الذي خلفه وفي نفس الوقت كنت أحاول منع نفسي من الارتباط بأمل يمكن في الأخير أن يصبح سرابا فعدت في اليوم الأخير للمهرجان لحضور الحفل الختامي.
* لقد عبر البعض عن استيائهم من قرار لجنة التحكيم خصوصا فيما يخص الأفلام الطويلة..
** صحيح، لقد ظلمت بعض الأفلام..
* مثل من؟
** فيلم كمال كمال "السمفونية المغربية" لأنه عمل جيد جدا وتطلب وقتا كبيرا. واشتغل عليه أكثر من 3 سنوات وبدل جهدا جهيدا، إنه عمل يقشعر له بدن المشاهد، ويعطيه شحنة من الأحاسيس.. أمر محبط أن لا يفوز هذا العمل على الأقل بجائزة واحدة.
* ننتقل للفيلم الثاني "قلق"..
** بالنسبة لي الفيلم القصير هو فرصة للتعلم. ولما قررت إنجاز فيلمي الثاني فكرت في عالم أعرفه ومألووف لدي هو عالم القلق لأنه مرض العصر، قلق العمل واليومي وحتى قلق ربة البيت التي تربي أطفالها لأنه أمر ليس بهين. أردت في واقع الأمر أن أعكس ما رويته في الفيلم الأول فخلقت شخصيته تعاني التوتر والقلق وتحلم بالرحيل والسفر للهدوء.
* وماذا عن كتابة السيناريو؟ من يكتب أفلامك؟
** أنا أكتب سيناريوهات أفلامي على الدوام، لأني عندما أكتب أتصور في نفس الوقت طريقة إخراج الفيلم وأحدد الرؤية، ولا أستطيع تصور تفاعلي مع سيناريو كتبه شخص آخر، ربما يمكن أن يتحقق ذلك مع كاتب مهووس بنفس عوالمي.
* وكيف ترى التجارب السينمائية الأخرى؟
** إن ما يميز السينما المغربية الآن هو اختلاف وتنوع الأفلام وطرق التعبير، لم نعد نرى لونا واحد بل عدة ألوان مختلفة ومتباينة . هناك نبيل عيوش وكمال كمال و أصبحنا نسمع عن أولاد حكيم النوري ومشاركتهم في مهرجان برلين، إنها طفرة وثورة رائعة نشهدها في المغرب فهذا أمر لا وجود له في تونس أومصر أو غيرهما. وعلينا أن نقدر ونحترم هذه التجربة الفريدة ونعطيها القيمة التي تستحقها ونثمنها، لأنه تطغى علينا نظرة سوداوية تجعلنا لا نتحدث إلا على السلبيات.
* نريد معرفة رأيك في ثلاث قضايا مطروحة الآن على الساحة السينمائية: القضية الأولى تتمحور حول فيلم ماروك.
** في الحقيقة لم تتح لي فرصة رؤية الفيلم . لكن لي يقين ومبدأ لا أحيد عنه، هو أني أرفض أي شكل من أشكال القمع والمنع كيفما كان نوعه. من الممكن أن أعبر عن رأيي في الفيلم وأقول هو جيد أو رديئ ،لكن ليس لي الحق في اغتصاب حقه في الوجود!
* القضية الثانية حول بروز الحديث عن شرخ بين جيل الشباب وجيل الرواد وصل لحد الصدام.
** يبدو لي هذا الأمر إيجابيا لحد ما، مع العلم أنه لم يتكون بعد ما يمكن أن نسميه موجة جيل جديد . على أي حال هذه ظاهرة إيجابية في صالح السينما.

* القضية الثالثة هي حديث بعض النقاد عن سينما المهجر والنظرة المختلفة عن المغرب التي يقدمها خطابهم..
** يبدو لي أن ما يسمونه سينما المهجر ونظرتها المختلفة للأمور هي في حقيقة الأمر غنى لنا وللسينما المغربية. فموضوع واحد يمكن أن نتطرق له من زوايا مختلفة. وهذا ما يصنع التنوع والاختلاف والتطور. إضافة إلى أن سينما المهجر جاءتنا بنوع من الجرأة نحن في أمس الحاجة له في بعض الأحيان بحدود. وحتى من الناحية التقنية فالمخرجون المقيمون في المهجر يوظفون طرق جديدة تفيدنا وتغني السينما. وعوض أن ننغلق على ذاتنا علينا الانفتاح عليهم والتعلم منهم.
* متى سنرى أول فيلم طويل لرشيد حمان؟
** أنا الآن أعد فيلمي القصير الثالث وأكتب سيناريو فيلمي الطويل، لكني أعيش مخاضا داخليا بين عملي اليومي في التلفزيون وشغفي بالسينما. وأحاول التوفيق بينهما أو التخلي عن الأول لصالح الثاني. لست أدري، هذا السؤال ما زال ينتظر مني جوابا.
أجرى الحوار جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق