05‏/03‏/2006

"علام الخيل" فيلم تلفزيوني تحول لوصلة إشهارية!!
عرضت مساء أمس القناة الثانية فيلما تليفزيونيا جديدا تحت عنوان "علام الخيل" من إخراج ادريس شويكة وسيناريو نور الدين وحيد وبطولة كل من محمد الشوبي ومحمد عياد وأكاط تيركور وغيرهم، الفيلم الذي أنتجته القناة الثانية هو ثالث تعامل لها مع المخرج إدريس شويكة بعد "الطيور على أشكالها تقع" و"مادو". وتجري وقائع الفيلم بإحدى المدن المغربية حيث يموت "علي" فارس المنطقة أو "علام الخيل" كما كان يلقب مثله من الفرسان. فيصاب ابنه الصغير "حمادي" بصدمة قوية يفقد على إثرها نعمة النطق وذلك لأنه كان يحب أباه حبا كثيرا وكان تعلقه به كبيرا، مات "علي" ولم يترك لابنه "حمادي" إلا قلادة تقليدية جميلة ترمز إلى الفروسية وصورة فوتوغرافية قديمة، تزداد حالة "حمادي" سوءا فلا ينفع معه لا علاج الأطباء ولا الفقهاء، خاصة عندما تتزوج أمه برجل آخر حسب الأعراف والعادات المتبعة في القبيلة، فامرأة في سنها وفي جمالها لا يمكن أن تظل بدون زوج يحميها ويصونها، بعد رحيل ابن خالته وصديقه إلى المدينة من أجل الدراسة يبقى "حمادي" وحيدا ومعزولا عن أهل القرية عزاؤه الوحيد هو المهر الذي ولدته فرس خالته. يكبر "حمادي" ويصبح شابا قويا وفارسا متميزايقود بتفوق فرقة القرية في مبارايات الفروسية التقليدية...
بعد الانتهاء من مشاهدة الفيلم خرجنا بلا خلاصة ولا إحساس و لا فكرة، كما يقول المثل المغربي "لاعامرة ولا خاوية". قليل من المرارة و كثير من الإحباط. لأن القصة كما قدمتها الورقة الإشهارية الفاخرة في ليلة العرض الأولى ستجدها متناثرة بين المشاهد السياحية المختلفة والمتنوعة، ففيلم "علام الخيل" هو في الحقيقة وصلة إشهارية مدتها ساعة و39 دقيقة لجمال المغرب والسياحة فيه، حيث نجد نظرة بانورامية عن كل مظاهر الحسن والجمال في هذا البلد الخلاب وطبيعته الساحرة من سهول وجبال ووديان وشلالات وبحيرات وصحاري أيضا. ولا ننسى البنايات والدواوير العتيقة والفنادق الفخمة وفرق الفولكلور بجميع أنماطها من حيدوس وشيخات وعازف على الوثار، ولم تفت المخرج الإشارة للأطباق المغربية اللذيذة والإشادة ب"لوديليسيو طاجين" ولا بأس أن نعرض على السياح البعض من عاداتنا "المتخلفة" كمراسيم الزواج والموت والقبور وإبراز العادات الغريبة والعجيبة كالفقهاء أبطال الكي الذي يسعى ليداوي الأخرس وينجح في جعل "الكاوري" الذي سقط للتو من على صهوة الحصان يجري كالرهوان (!!).
والوصلة الإشهارية هذه المستماة فيلما تلفيزيونيا لا تحمل لا حبكة درامية ولا عقدة ولا حل (!) بل يباغتنا "الفيلم" بنهاية صادمة تزيد من حيرتنا وتعود بنا لطرح موضوع لن نخوض فيه لأننا تحدثنا عنه مرات عدة وهو مشكلة كتابة السيناريو المزمنة.
يركز الفيلم أيضا على عرض ثراتنا من خلال إقحام مشاهد للفنطازيا مادام "الآخر" يحب ذلك، حيث جعلنا الفيلم وكأننا نشاهد أحد أفلام سلسلة هاري بوتر ومسابقاته العجيبة على صهوة مكنسته الطائرة. لقد قدم المخرج لعبة فنطازية غريبة لا نعرف من أي تاريخ هي ..
و لن يفوت المخرج أيضا في إطار حملته الإشهارية أن يشير لتعايش الأديان داخل هذا البلد السمح وإن كان أمرا نزكيه وندعمه، يبقى إقحام المصلي اليهودي داخل أحد المشاهد أمرا فجا لا معنى له. حيث أحسه المشاهد مقحما ومتعمدا بالرغم من أن الفكرة جيدة وآنية وهدفها سامي، إلا أن الإقحام بلا مناسبة جعل النتيجة عكسية.
والأهم من كل هذا فالمغرب به أيضا النبتة السحرية ومنطقة كتامة الغنية، حيث سيستعرض محمد بسطاوي ويقحم هو أيضا ليعرض لنا "سبسيه" الأنيق والملتهب ويبرز حسانته وقيمته الاستشفائية.
وأقبح ما يمكن أن يقدمه أي فيلم هو تقديم الكليشيهات المتداولة والمستهلكة وحتى التي أصبحت تثير سخرية المشاهدة كمشهد البطل الذي يعزف على الناي تحت شرفة محبوبته "الكاورية"!!
الملاحظ أن الفيلم فيه العديد من الثغرات وانعدام المنطقية بررها اشويكة في إطار المناقشة التي عرفها ما بعد عرض الفيلم كونه يقدم "تاريخا افتراضيا"وهو اصطلاح متناقض لا ندري في الحقيقة ما يعني !! وكأن هذا البلد نكرة نفترض له تاريخا ما دمنا جاهلين بتاريخه الحقيقي(؟!). كما أجاب اشويكة في مرارة عن ملاحظة تميزت بنوع من "الخبث" حول استعداد وزارة السياحة لاحتضان فيلمه قائلا بأنه يتمنى ذلك حتى يتسنى له إنجاز أفلام أخرى !! ملمحا لكون الإنتاج التلفزي يصطدم بعدة عراقيل إنتاجية. إلا أنه غاب وللأسف عن مخرج معروف كشويكة: أولا كون المبدعين المغاربة يهدرون عدة فرص لإثبات أنهم قادرون على تقديم أعمال في المستوى حتى لا نقول جيدة وثانيا أننا لا نتمنى لمخرج مثله أن يقدم أعمالا باهتة كـ "علام الخيل".
جمال الخنوسي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق