28‏/03‏/2006



اختلاف الفنانين المغاربة في تقييم الحركة المسرحية
بين إعلان الوفاة و الأمل في المستقبل
"يجب أن يحيى المسرح لأجل استشراف بصيص أمل وسط السديم والكواليس اليومية" هكذا كان نداء اليوم العالمي للمسرح، حزينا قاتما لكن في نفس الوقت مفعما بالأمل. و يضيف الممثل المكسيكي فكتور هوغو راسكون باندا أن فن المسرح "يجب أن يحيى لأجل فهم ما يقع لنا ولإجلاء الآلام التي تعتمل في الأجواء"، وقال باندا في نداء اليوم العالمي للمسرح, الذي ألفه تحت عنوان "بصيص أمل"، إن "المسرح يثير وينير, يشوش ويربك, يحمس ويكشف, يستفز وينتهك إنه حوار يشاطره المجتمع". وبالنسبة إلى فكتور باندا فإن "المسرح هو أول فن يتواجه مع العدم ومع الظلال والصمت لأجل أن تنبعث الكلمة والحركة والأنوار والحياة". فهذا الشكل التعبيري، الذي "ينبعث دوما من رماده"، يرى فيه هذا الممثل المسرحي " شكلا من التواصل السحري، كل طرف فيه يعطي ويأخذ شيئا ويحوله".
وأشار باندا، في نداء اليوم العالمي للمسرح لهذه السنة، إلى أنه "لطالما شيع موت المسرح، خاصة منذ بزوغ السينما والتلفزة ثم الوسائط الحديثة التي غزت تكنلوجيا الركح وسحقت البعد الإنساني، وتم تجريب مسرح مشهدي، أقرب إلى تشكيل متحرك يلغي الكلمة وظهرت مسرحيات بدون حوار أو بدون إضاءة أو حتى بدون ممثلين، تعتمد فقط دمى وكراكيز منصوبة تحت دوران الإنارة". ورغم هذه التحولات التي عرفها فن الخشبة والتي كادت أن تحوله إلى "مجرد شهب اصطناعية أو فرجة في موسم احتفال" إلا أن الممثل، يقول باندا، استطاع أن يعود "إلى مواجهة المتفرج، ونعاين عودة الكلمة فوق الخشبة". وسجل في هذا السياق أن المسرح "تخلى عن التواصل الجماهيري وأدرك حدوده الذاتية، والتي يمليها تواجد كائنين وجها لوجه، يتبادلان الأحاسيس والانفعالات والأحلام والأماني" فالفن الركحي، يضيف فكتور باندا، "توقف عن حكى الروايات وأخذ يبادل الأفكار". وعن تخصيص يوم للاحتفال بالمسرح يؤكد مؤلف "بصيص أمل" أنه "كان ينبغي أن تكون كل الأيام أياما للمسرح، إذ على مر القرون العشرين التي خلت ظلت جذوة المسرح متوقدة في مكان ما من المعمور".
وفكتور هوغو راسكا باندا، المزداد سنة 1948 في بلدة بشمال المكسيك، من أبرز الكتاب المسرحيين المكسكيين. كتب أول أعماله سنة1979 تحت عنوان " أصوات على العتبة". وفضلا عن كتاباته المسرحية سيحرز عدة جوائز وطنية ودولية. كما كتب عدة سيناريوهات للسينما مثل" أيام صعبة" و"الموت في الخليج".
وقد أحدث اليوم العالمي للمسرح سنة1961 من طرف المعهد الدولي للمسرح، وفي27 مارس من كل سنة تحتفل به مراكز المعهد الدولي للمسرح والمجموعة المسرحية الدولية عبر تنظيم عدة تظاهرات مسرحية من أهمها نشر النداء العالمي للمسرح الذي تعزى صياغته إلى شخصية مسرحية ذات صيت عالمي وذلك بمبادرة من المعهد الدولي للمسرح.
لكن ماذا عن المسرح المغربي ؟ و كيف يعيش عيده ؟
يرى البعض أن المسرح المغربي يعيش حالة شبيهة بالاحتضار تستدعي دق ناقوس الخطر رغم سياسة الدعم بنواقصها العديدة. والصورة الأكثر قسوة و حلكة هي التي رسمها البيان الذي أصدره مسرح البدوي بالمناسبة ، والذي توصلت الجريدة بنسخة منه، حيث جاء فيه أن الاحتفال بهذه المناسبة لم يكن من منطلق تمجيد ما هو قائم، و لا من باب إقامة احتفالات فلكلورية تكتفي بالخطب الفارغة التي تدر الرماد في عيون الغافلين عن الحقيقة. بل الهدف منه محاسبة النفس و استقراء الواقع المسرحي الذي لا يرتفع و الذي تدل تجلياته على أن مسرحنا ليس بخير، و على أن حركتنا المسرحية تتراجع إلى الوراء شهرا بعد آخر و سنة بعد أخرى. كما تدل على أن إسناد أمور المسرح إلى غير المسرحيين المحترفين هو سبب كل هذه الأمراض التي تكالبت على كيان المسرح الاحترافي. و يضيف البيان ، إن الذي يحز في النفس أكثر هو أن نجد أنفسنا سنة أخرى مجبرين على ترديد نفس الأسطوانة حول هذا الواقع المتعفن و الذي لم تنفع كل أموال الدعم المهدرة بدون قوانين أو ضوابط أن تحسن من صورته المخيفة. و بالتالي نحن في حيرة من أمرنا: هل نعيد طرح القضايا و كل الإشكالات التي تعترض مسار المسرح الاحترافي و التي أهدرنا سنوات من العمر و من الممارسة في التمديد بها و في التشكي من عواقبها و آثارها. أم أننا مطالبون للحديث كل سنة عن إشكالات جديدة تضاف إلى سابقاتها لتظل دون حل و لترخي بأسدال الخيبة على كل الساحة، و بعد كل هذه السنوات من حقنا جميعا أن نتساءل: ماذا حققت سياسة الدعم للمسرح المغربي؟ ماذا أنجزت من مكتسبات و من عروض تدخل التاريخ من أوسع أبوابه؟ هل أصبحت الساحة المسرحية تتوفر على كل البنيات اللازمة؟ و هل استطاع كل هذا الضجيج أن يفعل قانون الفنان الذي ناضلنا من أجله قبل العقد الأخير من القرن الماضي؟ و هل أعدنا للمسرح اعتباره و قيمته في حياتنا اليومية؟ .
إن الإجابة عن هاته الأسئلة لن تكون إلا صادمة . و يضيف البيان ، إن مسرح البدوي إذ يعلن عن مواقفه هاته فلكي يضع مسؤولية كل ما وقع على عاتق من أوصلوا المسرح و رجاله و نساءه إلى هذا الدرك الأسفل و إلى هذا العبث الذي يفرض علينا و على كل الجمهور المغربي تارة باسم الدعم الذي لا يدعم إلا التفاهة و القرابة و المحسوبية و تارة أخرى باسم الإنتاج الوطني الذي لا يحمل من جذور الوطنية الحقة إلا الاسم، و تارة ثالثة باسم الانفتاح، علما أن هذا الأخير لا يعني الاستلاب و الذوبان في الآخر.
وفي المقابل يرى حسن النفالي رئيس النقابة الوطنية لمحترفي المسرح في تصريح قدمه لوكالة المغرب العربي، صورة المسرح المغربي أقل قتامة حيث برز جيل جديد من المسرحيين من خريجي المعاهد ومن الهواة يعملون جاهدين إلى جانب الرواد على تقديم أعمال مسرحية تخدم الإنسان المغربي وترتقي بذوقه و تسعى إلى جعل "كل الأيام أياما للمسرح" و"الحفاظ على جذوته متقدة" باستمرار.
ويرى المتفائلون أن المسرح المغربي عرف خلال العقدين الأخيرين انتعاشا ملحوظا على مستوى كمية الإنتاج خاصة، وذلك بفضل تظافر الجهود والحفاظ على أواصر التواصل بين جيل الرواد والمشتغلين في المسرح من الشباب بغية الوصول بالإبداع المسرحي إلى آفاق أرحب، حيث ارتفع عدد الفرق إلى أزيد من ثلاثين فرقة مسرحية، كما سجلت زيادة في الدعم الذي تقدمه الوزارة الوصية.
ورغم هذا وذاك، مازالت انتظارات المشتغلين في المسرح كثيرة، منها على الخصوص، حسب رئيس النقابة الوطنية لمحترفي المسرح، ضرورة "تفعيل قانون الفنان الذي صدر سنة 2003 ، والذي مازال يعرف بعض البطء، وكذا تفعيل اتفاقية الشراكة بين وزارة الثقافة والائتلاف المغربي للثقافة والفنون بشأن التغطية االصحية، وإصدار مرسوم البطاقة المهنية وخلق صندوق وطني لرعاية الفنان، وهذا لن يتحقق إلا بجعل القطاع الثقافي والفني وضمنه المسرح قضية كل القطاعات الحكومية".
إن أي مشروع تنموي لابد وأن ينطلق من الإنسان كمحور له، وينصرف إلى إنماء الحس الثقافي والفكري لديه، وبالتالي ضرورة انخراط الجميع في هذه الدينامية من جماعات محلية وقطاع خاص وفعاليات المجتمع المدني, وذلك من خلال ترويج المنتوج الثقافي وإعداد البنيات التحتية الضرورية لاستقباله، والاهتمام بالتكوين والتربية الفنية وتوفير البنية الثقافية عموما والمسرحية خصوصا، والإسهام في ترويج المنتوج الثقافي.
وفي هذا الصدد أكد جمال الدين الدخيسي مدير المسرح الوطني محمد الخامس في تصريح لوكالة المغرب العربي أن هذه الاستمرارية دليل على أن دماء جديدة ضخت في شريان المسرح المغربي، والمسرح عموما الذي "طالما شيع موته، خاصة مع بزوغ السينما والتلفزة ثم الوسائط الحديثة التي غزت تكنولوجيا الركح وسحقت البعد الإنساني فيه".
وبين تشاؤم وتفاؤل بمستقبل المسرح المغربي، يجمع الكل على أهمية التربية الفنية للمواطن، وعلى أهمية المسرح المدرسي والجامعي كمشتل للمواهب التي يمكن أن تغذي الساحة المسرحية الاحترافية وتتيح للشباب اكتساب مخيال أدبي خلاق وسلوك مدني حضاري.
نعم سيظل "المسرح مادة حية تأخذ في الاندثار حالما توجد، لكنه على الدوام ينبعث من رماده كطائر الفينق ليشكل نوعا من التواصل السحري كل طرف فيه يعطي و يأخذ شيئا ويحوله" لأن "المسرح حوار يشاطره المجتمع، وفن يتواجه مع العدم ومع الظلال والصمت لأجل أن تنبعث الكلمة والحركة والأنوار والحياة".
و كل عام و المسرح بخير
جمال الخنوسي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق