14‏/09‏/2007

عبد الإله المردودي ضحية إرهاب من نوع خاص


عبد الإله المردودي ضحية إرهاب من نوع خاص
هاجر إلى الولايات المتحدة ليعيش "الحلم الأمريكي" فتحولت حياته إلى جحيم لا ينتهي
قصة عبد الإله المردودي وأصدقائه قصة لم تخطر على بال أمهر الحكاة، ولا جادت بها قريحة أكبر كتاب سيناريوهات الأفلام الهوليودية. وتجتمع فيها كل خيوط المؤامرات والأحداث المفاجئة التي تقلب مسار القصة وتغير مجراها إلى منحى لم يكن قط متوقعا.
في هذه القصة سيدفع المردودي وزملاؤه ثمن أحداث الحادي عشر من شنبر غاليا، حدث لم تكن لهم فيه يد أو تربطهم به علاقة، سوى كونهم النموذج الأمثل ل"بروتوتيب" ارهابي في نظر إدارة بوش الذي يمكن أن تعلق عليه فشلها أو انتصارها، وتجعل من هؤلاء الضحايا قتلة وإرهابيين يتربصون بأمريكا وشعبها. عرب ومسلمون سيكون القبض عليهم بمثابة البرهان والدليل على أن الإدارة الأمريكية تقوم بعملها على أحسن وجه، وبأن يد الإرهاب طويلة ويمكن أن تضرب في أي وقت وأي مكان، لذا يحق لها أن تطلب المزيد من الاعتمادات المالية، وتقتحم أكثر حريات الناس وتنتهك حقوقهم. هذه قصة عبد الإله المردودي ضحية لإرهاب من نوع خاص، قصة مغربي دفع حياته بسبب ما يسمى "ما بعد الحادي عشر من شتنبر".

البداية
بعد إتمام عبد الإله المردودي دراسته الجامعية بمدينة الرباط وحصوله على شهادتين للدراسات العليا في العلاقات الدولية. بدأ الشاب الطموح يفكر في الهجرة من اجل الحصول على شهادات من جامعات أجنبية معروفة فكانت بداية عدة مراسلات بينه وبين مجموعة من الجامعات الأمريكية انتهت بهجرته إلى ارض العم سام سنة 1995 . فباشر دراسته ب"مينيسوتا" وفي الآن ذاته، كان يقوم بأعمال مختلفة من أجل تأمين مصاريفه اليومية، واستمرت حياته عادية، إذ تزوج فتاة أمريكية وأنجب معها ولدا، إلى غاية شهر أكتوبر من سنة 2002 ألقي عليه القبض بتهمة "الإرهاب". وخلال هذه المدة عانى عبد الإله ويلات التعذيب النفسي والاستنطاق والعزلة في زنزانة ضيقة تحت الأرض لا يرى الشمس إلا نادرا. وكان يتصل بعائلته في الرباط من خلال محاميه ليطمئنهم على حاله بعد أن ملأت أخباره وصوره شاشات التلفزيون ويقول لهم إن لا علاقة له بالإرهاب وأن براءته ستظهر عما قريب.

المحاكمة
وجهت إلى المتهمين الأربعة المغربي عبد الإله المردودي وكريم كوبريتي وأحمد حنان والجزائري فاروق علي حمود، بعد اعتقالهم في شقة بديترويت يوم 17 شتنبر 2001 تهم الانتماء إلى "خلية قتالية كامنة"، والتآمر لارتكاب هجمات إرهابية في الأردن وتركيا والولايات المتحدة. اثر قيام عناصر من مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) بتفتيش منزلهما أثناء بحثهم عن المستأجر السابق للشقة والذي ورد اسمه في لائحة المشتبهين بالإرهاب.
وكان مكتب التحقيقات الفدرالي عثر على أوراق تعريف مزورة ومدونة تحتوي على رسم لقاعدة عسكرية أمريكية في تركيا وشريط فيديو فيه لقطات عن موقع ديزني لاند في كاليفورنيا وفندق "ام.جي.ام" في لاس فيغاس وأشرطة تسجيل لخطب تدعو الى الجهاد.وزعم المدعي الأمريكي ريتشارد كونفيرتينو في الجلسة الافتتاحية للمحاكمة أن المتهمين ينتمون إلى منظمة إسلامية تتبع فتاوى من الشيخ عمر عبد الرحمن، الذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في قضية تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993، وزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي تتهمه الولايات المتحدة بأنه العقل المدبر لهجمات 11 شتنبر.
وقال كونفيرتينو "هذه ليست قضية شبان عرب أتوا إلى الولايات المتحدة ليعيشوا الحلم الأمريكي" وإنما هي قضية "خداع وتكريس للذات".
لكن المتهمين ، أكدوا براءتهم من التهم الموجهة إليهم ووصف محامو المتهمين موكليهم بأنهم ضحايا لاعتقالات عشوائية على ما يبدو استهدفت مئات المهاجرين العرب في الولايات المتحدة بعد هجمات 11 شتنبر.
وقال المحامون إن المدعو يوسف حميمصة وهو متهم محتمل في القضية، قدمه ممثل الادعاء كونفيرتينو على أنه أفضل شاهد لديه، لن يصمد أثناء استجوابه لأنه يواجه عددا من الاتهامات المنفصلة ويدلي بشهادته فقط ليبقى خارج السجن.
وتأتي الاتهامات التي وجهت إلى الأشخاص الأربعة وتشمل التآمر على تقديم مواد دعم الإرهابيين في إطار مناخ سياسي يحيط بالغزو الذي تقوده الولايات المتحدة ضد العراق.

صفقة حميمصة
من أجل توريط المتهمين أبرمت السلطات الأمريكية صفقة مع "المتورط الرابع" المغربي يوسف حميمصة الذي بدأت مشاكله مع القانون منذ سنوات إذ اعتقل في مدينة شيكاغو قبل أحداث الحادي عشر من شتنبر، وكان من المتوقع أن يُحكم عليه بما لا يقل عن ثمانين سنة في السجن بتهم انتهاك القوانين الفيدرالية التي تحظر تزوير الوثائق وبطاقات الائتمان• لكنه تمكن من مغادرة السجن بعد أسبوع من اعتقاله مقابل أداء مبلغ خمسة وعشرين ألف دولار ككفالة. ليختفي بعد ذلك عن الأنظار، لكن الحملات التي قادتها مختلف الوكالات الأمنية الأمريكية عقب هجمات واشنطن ونيويورك أدت إلى اعتقاله مجددا، لكن هذه المرة وجهت إليه تهمة الانتساب إلى خلية إرهابية نائمة تتكون من عبد الله المردودي، وكريم كوبريتي، وأحمد حنان، وفاروق علي حيمود. وأشارت التقارير الأمريكية إلى أن حميمصة هو المسؤول عن تزويد أعضاء خلية ديترويت بمجموعة من بطائق التعريف وجوازات السفر وبطائق الائتمان المزيفة. لكنه ظهر خلال محاكمة أعضاء تلك الخلية كشاهد أول ضدهم، وورط الآخرين أكثر في التهم المنسوبة اليهم في الوقت الذي تم تخفيض المدة التي كان متابعا من أجلها من 81 سنة سجنا الى 46 شهرا، إضافة الى وعود بعدم متابعته في قضية "الخلية النائمة"، وهي صفقة كان وراءها ريتشارد كونفيرتينو.
وكان حميمصة غادرالمغرب وهو لا يتجاوز ربيعه الثامن عشر، وقضى السنوات الأربع التالية في أوربا مستعينا بأوراق هوية مزورة باسم باتريك فويام• وفي 1994 حل بواشنطن بهوية أخرى مزيفة، حيث اشتغل كسائق سيارة أجرة• وحصل في 1999 على شهادة مساعد مهندس بعد أن تلقى تكوينا في مؤسسة ميكروسوفت• وحسب حميمصة، فإن ما دفعه إلى امتهان التزوير هو قيام أحد مشغليه بحرمانه من أجرته لشهرين مستغلا وضعه كمهاجر غير قانوني•


بداية الغيث
لكن حكم المحكمة كان مفاجأة كبيرة، واتخذ منحى لم يكن متوقعا، إذ رفضت إدانة المتهمين واعترفت بأخطاء في تناول القضية. ونفذ قاضي محكمة جزئية أمريكية في ميشيجان رغبة وزارة العدل الأمريكية التي قالت في وثائق قدمتها إلى المحكمة، إن المحققين "ارتكبوا مجموعة من الأخطاء والسهو" حالت دون مراجعة المتهمين للأدلة ضدهم.وكتب القاضي في المحكمة الأمريكية الجزئية لدائرة شرق ميشيجان جيرالد روسين في الحكم أن "حساسية مهمة الادعاء التي يمكن تفهمها وحماسته للفوز بإدانة، تغلب ليس فقط على رأيه المهني بل أيضا على التزاماته الأوسع إزاء النظام القضائي وحكم القانون".
تاريخ من الأخطاء
لقد وقعت السلطات الأمريكية في العديد من الأخطاء منذ هجمات الحادي عشر من شتنبر 2001، وتشهد على ذلك قضية أستاذ من أصل عربي اتهم خطأ بالتورط في أعمال إرهابية في فلوريدا. ولم تنجح الحكومة الأمريكية في إقناع هيأة محلفين في فلوريدا بالاتهامات الموجهة إلى الأستاذ الجامعي سامي العريان (47 عاما) حول التورط في الإرهاب واتخذت قرارا بتبرئته. وأوقف العريان في فبراير 2003 لاشتباه السلطات بأنه قدم مساعدة مادية لحركة الجهاد الإسلامي التي وصفتها السلطات ب"المنظمة الإرهابية" الفلسطينية لتنفيذها العديد من العمليات الانتحارية في إسرائيل. وقد أعدت الحكومة الأمريكية هذا الملف استنادا إلى تنصت على مكالمات هاتفية ووثائق تم احتجازها. وتعتبر هذه القضية امتحانا لقانون "باتريوت" الذي يمنح السلطات صلاحيات موسعة في مجال مكافحة الإرهاب منذ الاعتداءات. وقد يحاكم سامي العريان مجددا في حال لم يتوصل أعضاء هيأة المحلفين إلى اتفاق على باقي الاتهامات الموجهة إليه. وهذه ليست المرة الأولى التي تبدو فيها اتهامات الحكومة الأمريكية بشان الإرهاب غير مقنعة. فقد وجه القضاء الأمريكي الى خوسي بادييا وهو مواطن أمريكي معتقل منذ أكثر من ثلاث سنوات في سجن عسكري اتهاما بأنه تدرب للمشاركة في الجهاد. ولدى الإعلان عن هذه التهمة، اعترف وزير العدل البرتو غونزاليس أن لا علاقة له بالاتهامات التي وجهت إلى بادييا في يونيو 2002 بأنه "محارب عدو". وخوسي بادييا (35 عاما) متحدر من بورتو ريكو ومن مواليد بروكلين اعتنق الإسلام واتهم في البدء بأنه أراد تفجير "قنبلة إشعاعية" في الولايات المتحدة وانه تم تجنيده على يد تنظيم القاعدة في فبراير في المملكة العربية السعودية. أما الآن فهو ملاحق بسب انتمائه إلى خلية إرهابية ناشطة في الولايات المتحدة وكندا التي قد تكون جندته ليصبح مجاهدا. وبسبب تغير هذه المعطيات، قررت المحكمة الاستئنافية الفدرالية في ريتشموند (ولاية فيرجينا) تأخير نقل بادييا من سجن عسكري إلى سجن مدني. كما طلبت من الحكومة شرح أسباب هذا النقل إذ أن الوقائع التي بني عليها اعتقاله تختلف عن تلك التي استخدمت لتبرير احتجازه في سجن عسكري.


استمرار المأساة
وإلى حدود اليوم مازالت أسرة المردودي التي تسكن مدينة الرباط، وعانت الويلات مما عانى ابنها، وأشارت إليها الأصابع بتهم "الإرهاب"، بعد أن تناقلت جميع وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية أنباء وصور ابنها عبد الإله ابن "حي القامرة". وإلى حدود اليوم تجهل العائلة مصير ابنها الذي تتعقب أخباره فقط من خلال الجرائد والمجلات والمواقع الالكترونية على شبكة الانترنيت، كما توفيت والدته حرقة على فقد ابنها واختفاؤه في المجهول، بعد أن انقطع الاتصال به، ومازلت لحدود الآن تنتظر عائلته عودته في حرقة، والاطمئنان على حاله، ومعرفة أخباره. وكان المتهم الجزائري السابق فاروق علي حيمود، اتصل بالعائلة بعد عودته إلى بلده وأخبر شقيقتي عبد الإله زهرة وعائشة المردودي أن أخاهما أمضى أوقاتا عصيبة في السجن وعانى ويلات التعذيب والحبس الانفرادي والعزلة والظلم. وتنتظر العائلة من السلطات المغربية التحرك من أجل الكشف عن مصير ابنها الذي مازال معلقا ومبنيا للمجهول. وكان آخر اتصال بينهما يعود إلى شهر ماي 2006 . وكانت آخر الأخبار تحدثت عن الإفراج عن كل من عبد الإله المردودي و وكريم كوبريتي ورفعهما لدعوى قضائية ضد المدعي العام ريتشارد كونفيرتينو وطلبا

تعويضا قدره 9 ملايين دولار أمريكي.
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق