14‏/09‏/2007

الخيار الثالث

الخيار الثالث
حلت من جديد ذكرى أحداث الحادي عشر من شتنبر الأليمة، ومرة أخرى ستملأ صور الطائرتين اللتين تصطدمان ببرج التجارة العالمية شاشات التلفزيون لتجعل منها حطاما ودخانا، وستظهر أجساد بعض الضحايا الذين أسرتهم النيران في الطوابق العليا للمبنى وهي تتهاوى في محاولة يائسة للنجاة ورغبة في الاستمرار والحياة.
حلت مرة أخرى ذكرى أحداث هزت العالم ورسمت خريطة جديدة وقلبت جميع الموازين وأعطت ميلاد مفاهيم مختلفة وحديثة. وككل سنة نحاول أن نفسر ونتكهن ونبحث عن تفسير منطقي لما حدث أو يحدث، لكن في جميع الحالات يبقى أي تقييم لتبعات هذا الحدث التاريخي صادما وحصيلته مهولة خسر فيها العرب والمسلمون كل شيء وعلى طول الخط. كما اختلطت كل الحسابات ووجدنا
أنفسنا أمام خيارين لا ثالث لهما: خيار "القاعدة" التي تمثل الوجه الأسود للإرهاب والخوف وقتل الأبرياء. خيار لا يدع مجالا للتفكير وإعمال العقل، ويقدم للبشرية نموذجا ينتمي إلى العصور السحيقة من خلال فهم مشوه للدين الاسلامي والدعوة الى خوض حرب مفتوحة مع فسطاط الكفر الذي يمثله الشيطان الاكبر. والخيار الثاني هو أن تكون في صف الغطرسة الأمريكية وتصبح عنصرا من عناصر الحظيرة الكبيرة التي يرعاها "الكاوبوي" الأكبر، وتعلن ولاءك ليل نهار لسيد العالم وامبراطوره الجديد، وتخنع لكل مطالب ادارة بوش والمحافظين الجدد الذين يستغلون مفاهيم الدين والدنيا لقضاء مآرب في دنيا الاقتصاد والمال وصفقات الاسلحة السرية والعلنية. هو خيار الحرب الصليبية الجديدة التى ينادي بها بوش وأتباعه ويحركون بها ومن خلالها ترسانة من وسائل الاعلام التي تربت في حضنهم.
لقد دفع المسلمون حول العالم فاتورة كبيرة مقابل هذه العملية غير المحسوبة، ودائرة الرعب تتوسع يوما بعد آخر. وتجد العديد من الدول نفسها في دوامة الخيارين المتطرفين، خيار بين الموت والموت، خيار بين الطاعون والكوليرا، دون أن يكون هناك مسلك ثالث لأن الطرفين الآخرين يفكران بمنطق " إما معنا أو ضدنا". لقد أصبح عدد القتلى في العراق لا يعد ولا يحصى، ولا يمضي يوم واحد دون أن يسقط عشرات الضحايا، وامتد الهلع إلى المغرب العربي وضربت يد الارهاب في الجزائر وكف الحديث عما كان يسمى من قبل "الخصوصية المغربية"، وعدنا اليوم نتوقع ورود أسماء مغاربة أو متحدرين من المغرب كلما حدث عمل تخريبي في مكان ما أو ألقي القبض على خلية نائمة أو مستيقظة.
إن حالنا لم يكن قط أسوأ حالا مما هو عليه اليوم، ولم تكن صورة العربي أكثر شبهة مما هي عليه اليوم، ولم تكن قط كلمة اسلام أو مسلم مفزعة وسلبية مما هي عليه اليوم. لقد أساء شرذمة من المسلمين الى الاسلام باسم الاسلام، كما لم يسئ إليه أي عدو آخر. وجعلوا اسمه الذي يضم كل معاني السلم والسلام والاخاء والتسامح شبهة تقترن بأفظع معاني القتل والتقتيل والرعب، والارهاب والترهيب. ويكفي المرور بإجراءات اي مطار، لاي عاصمة في العالم للتأكد من هذه النتيجة المفزعة والمزعجة على السواء.
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق