11‏/04‏/2008

فنجان قهوة تحت حراسة مشددة

مقاه ومحلات تستعين ب"سيلفيستر ستالون" و"بروس ويليس" لتوفير "السلم الاجتماعي"

في أغلب المقاهي الفخمة بمدينة الدار البيضاء وخصوصا بالمعاريف حيث يرتخي مجموع الزبناء على كراس مريحة، يحتسون أكواب القهوة، ويصنعون بملاعقهم من كؤوس المثلجات أشكالا سريالية، يقف رجال غلاظ "مكلضمون" ب"اليونيفورم" الأزرق أو الأسود والعلامات المذهبة كنياشين الفخر والبطولة على الصدر وفي الأكمام، لحراسة الزبناء ومرتادي المقهى الفخم.
رجال الأمن التابعون لشركات الحراسة الخاصة، التي تناسلت في الآونة الأخيرة، لا علاقة لهم بتهديدات أسامة بن لادن أو يده اليمنى أيمن الظواهري، ولا بخطر السجناء التسعة الفارين من سجن القنيطرة أول امس (الاثنين)، بل يسهرون على راحة وسلامة الزبناء من بطش "السعاية" وإزعاج "السيرورات" وتحرش باعة "الديطاي".
بالنسبة إلى أحد الزبناء فإن احتساء فنجان القهوة في هدوء وسكينة مصحوبا بسيجارة شقراء حق من حقوق الإنسان لا يمكن التنازل عنه، "أفضل الجلوس في هذا المقهى المحروس على شرب قهوتي في مكان آخر، هنا أنا "ترانكيل"، ولا يزعجني أحد لأني مللت من تحرشات "الطلابة" وباعة "كلينيكس" و"المسكة"، فبعد يوم عمل مضن أظن أن هذا أقل ما يمكن أن أوفر لنفسي، الراحة لا ثمن لها".
ويفضل الزبون الثمن المرتفع للمشروبات، الذي يتضمن في طياته مقابلا على الأثاث الفاخر و"الديزاين" العصري للمكان، والأثاث المستورد، والنادلة الحسناء التي توزع الابتسامات في سخاء، إضافة إلى "الحق في السلم الاجتماعي" الذي يضمنه الحارس قوي البنية الواقف بصلابة في الجانب، على مكان آخر أقل أمنا وأمانا، أو مقهى تعمه الفوضى شبيه بالأسواق الشعبية.
رجال الحراسة يلعبون الدور إلى أقصى حد، ويحسنون تقمص الشخوص السينمائية المعروفة وسحنات أبطال هوليوود الخرافيين، بحرفية تجاوزت ما نعرفه في شاشاتنا التلفزيونية في السلسلات البوليسية المغربية، إذ تجد منهم من يتقمص دور "سيلفيستر ستالون" في فيلم "كوبرا" أو دور "بروس ويلس" في فيلم "بييج دو كريستال"، ويعطي الرجل لنفسه هيبة بنفخ صدره ونظراته المركزة في الخواء من أجل رسم هالة من الصرامة والحزم كفيلة بطرد "الداسرين والداسرات".
وعلى من يتردد في الإيمان بمدى نجاعة هذه الطريقة في تدبير "السلم الاجتماعي" ما عليه سوى القيام بزيارة خفيفة إلى جانب المحلات الفاخرة بالمعاريف والنواحي، حيث تصبح خطى الشابات الأنيقات محفوفة بالمخاطر وتحرشات بائعي "المسكة" و"الكلينيكس" والماء غير الشروب وكل أنواع البضائع، ويعرضون عليهن "بزز" اقتناء مبيعاتهم، وتضطر المسكينات في غالب الأحيان إلى تقديم "صدقات" دون أن يفكرن في السلعة، همهن الوحيد هو التخلص من "اللصقات" تحت تهديد سلاح السحنات البئيسة و"المخنزرة"، ويصبحن مجبرات على دفع أتاوات لهذا النوع الجديد من قطاع الطرق لولوج محلات "زارا" و"إيتام" و"تريومف".
في كورنيش عين الدياب يزداد الأمر سوءا ويصبح التجوال في الممر الرومانسي مهمة سيزيفية، حيث يتحول باعة الورد الصغار من "كيوبيدات" لنشر الحب ونثر الأمل، إلى قراصنة في الطريق العام مهمتهم الابتزاز وتعكير صفو المتجولين وإقلاق راحتهم.
مالك إحدى المقاهي في وسط المدينة قال إن هؤلاء الرجال "رحمة" رغم التكلفة المرتفعة، "إلا أنهم منعوا عنا "الصداع" المتواصل مع هؤلاء المشاغبين ووضعوا حدا للعبة القط والفأر الأبدية بينهم وبين النادلين".
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق