16‏/08‏/2009

المنتخب الأقل شعبية للرياضة الأكثر شعبية

الأسود يصدق عليهم المثل الشعبي "ملي تايشرف السبع تايلعبوا عليه القرودة"
إسمحوا لي أن أقول لكم إننا شعب "مازوشي" يحب الألم وتعذيب النفس، بل وسأقطع الأيمان وأقول إننا والله شعب يعشق جلد الذات ويتلذذ بحرق أعصابه وتنشيف دمه، وما المباراة التي شاهدناها، أول أمس (الأربعاء) على الشاشة الصغيرة، والتي جمعت المنتخب المغربي ونظيره الكونغولي، كما يحلو للمنشطين الرياضيين القول، لخير دليل على ذلك، وصك اتهام صريح ضدنا، بل أكثر من ذلك، هو دليل قاطع وبرهان ساطع على سلوكنا المنحرف وخيارنا الشاذ.
لتكن البداية، سؤال ساذج من شخص لا تمثل كرة القدم أولى اهتماماته: لماذا جعلنا من كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية في بلد له منتخب ليس بينه وبين كرة القدم سوى الخير والإحسان؟
لقد كان حريا بعقول المغاربة الأسوياء أن تختار لعبة يحسنون ممارستها لتكون الأكثر شعبية، وتمثل أقصى اهتماماتهم وأكثرها شيوعا. فتخيلوا معي لو أن الرياضة الأولى في هذا البلد هي لعبة الضاما أو الكرة الحديدية.. نعم الكرة الحديدية، فسنكون والله أحسن حالا وأقل "تبهديلا" و"تمرميدا" مما نحن عليه اليوم، فعلى الأقل مع الكرة الحديدية، سنفوز ببطولة العالم وستكون لنا حظوة وهيبة في هذه "الرياضة" كتلك التي للمنتخب البرازيلي في كرة القدم.
فماذا لو كانت كرة القدم هي الرياضة الأولى في الولايات المتحدة بدل البيزبول أو كرة القدم الأمريكية؟ ستكون كارثة عظمى!
وماذا لو كانت كرة القدم تحتل الصدارة في كندا بدل رياضة الهوكي؟ فينتبه سكان هذا البلد أن منتخبهم يجني الهزائم تلو الأخرى، فوالله سيحتاج الكنديون المساكين إلى جلسات الطب النفسي ويسنون أربعة أيام من الحداد الوطني على حال الرياضة في بلدهم. والحال نفسه بالنسبة إلى بلدان اختارت رياضات نجهل عنها كل شيء (مثل رياضة الكريكيت) بديلا لكرة القدم.
من جهة أخرى دعونا ندقق في مفهوم "الرياضة الأكثر شعبية" ماذا يعني؟ وما هي أبرز مظاهره وتجلياته؟ فأنا لا أفهم كيف أن المنتخب المغربي لرياضة هي الأكثر شعبية في هذا البلد السعيد لا يتمكن من جلب ألف متفرج إلى مدرجات مركب يتسع لثمانين ألف متفرج. فكلنا يذكر زمانا كان فيه البيضاويون يحجون إلى ملعب مولاي عبد الله بالرباط سيرا على الأقدام ويشهد الطريق السيار اختناقا وزحمة ليس لها نظير، وكأنهم يؤدون طقسا دينيا أو ينفذون أمرا إلاهيا حبا في كرة القدم وتعلقا بمنتخب يمثل آمالهم وأحلامهم، أما اليوم فقد أهين الملايين من محبي هذه اللعبة من طرف مسؤولين يبذرون الدولار والأورو يمينا وشمالا، ولاعبين يدعون الإصابة من أجل تجنب حمل القميص والدفاع عن ألوانه، وحلت بهم الخيبة من أسود "تضرب" الشيشة قبل المباريات فصدق عليها المثل المغربي "ملي تايشرف السبع تايلعبوا عليه القرودة".
فكيف يمكننا أن نتحدث عن منتخب للرياضة الأكثر شعبية ولم يتمكن مكتبا الرجاء والوداد من بيع سوى ثلاث تذاكر ... نعم ثلاث تذاكر فقط لمباراة أول أمس التي كان فيها عدد رجال الأمن ضعف عدد المتفرجين، بعد أن ولى زمن كنا نرى في الملاعب لافتات كتب عليها "الوجديون يساندون المنتخب المغربي" والأمر ذاته لسكان بني ملال والعيون والداخلة وفاس ومكناس وطنجة.
أما "كمالة الباهية" فإنه رحيل مدرب أجنبي وتعويضه بأربعة (على عينين العديان) من الأطر المغربية، فعقدت جامعتنا الاجتماعات واللقاءات من أجل تحديد المهمات الصعبة وتعيين المسؤول عن الخطوات التقنية والخطط التكتيكية واللياقة البدنية ومن "سيحضي رزم الحوايج" و"يعد فرد الكوضاس" ... نحن المنتخب الوحيد في العالم الذي يسير بأربعة رؤوس عملا بالمثل المغربي الأصيل "شي يحلب ويشي يشد من لكرون" ...
ألم أقل لكم إننا شعب "مازوشي"؟!
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق