16‏/07‏/2007

حرب الإخوة الأعداء داخل القناة الثانية


ملف من إنجاز جمال الخنوسي
---------------------------------------------
حرب الإخوة الأعداء داخل القناة الثانية


شتائم ومكائد في العلن والخفاء ونيران "صديقة" توقع ضحايا وخسائر

مديرية الأخبار حققت الحكم الذاتي داخل دوزيم قبل تحقيقه في الصحراء----------------------------
ما الذي يحدث داخل القناة الثانية؟ سؤال يطرحه كل متتبع لشأن الإعلام في هذا البلد، وكل متتبع للصحافة الوطنية يلحظ أن عهد التراشق بالكلمات قد ولى، وأن زمن التنكر وراء الأقنعة قد مضى، وحلت محله المواجهة المكشوفة، وتبادبل الضرب تحت الحزام وفوقه· أصبحت تلك المواجهات مادة دسمة تتلقفها الصحف والمجلات، وتعرض كل يوم على صفحاتها صراعات وحروب أبطالها ينتمون إلى المؤسسة نفسها· الأمر الذي يكسب السؤال عن ماذا يحدث داخل دوزيم كامل مشروعيته، بفعل الخرجات والصدامات، والصراعات الخفية والعلنية التي يستعرضها الإعلام· إما بصفتها نشرا لغسيل وسخ وصراعات قذرة، أو بصفتها عرضا لكمال الأجسام وإبرازا للقوة وكارنفالا للعضلات المفتولة·
ما يحدث في القناة أيضا هو نوع من المسلسلات الأمريكية طويلة الأمد من شاكلة "دالاس" و"طوب موديلز"· مكائد وصراعات، مصالح ولوبيات، غرام وانتقام· كل مرة تطفو على السطح سيدة "أولى" تأمر وتنهى، تبتسم وتنهر، ثم يأفل نجمها لتظهر نجمة جديدة تلعب بخيوط الكركوزات التي تمثل أدوارا مرسومة سلفا وتنفذ سيناريوهات كتبت خطوطها العريضة بعيدا عن عين السبع·
---------------------------------
- قرع طبول حرب
قبل أيام فجر الاستغناء عن خدمات عبد الرحمان التازي التساؤلات القديمة الجديدة نفسها· وربطت العديد من الألسن قرار مصطفى بنعلي بالخلافات الحادة التي نشبت بين التازي والسيدة الأولى للقناة الثانية· اسم سيدة أخرى في المحطة التلفزيونية تتداوله الصحافة خليفة مفترضة للمدير الحالي منذ شهور· وتقول بعض الألسن "الخبيثة" إن سميرة سيطايل وفريقها المسؤولون الحقيقيون عن الترويج لمثل هذه "السكوبات"· وهو ما يعد تحرشا دائما على مصطفى بنعلي، وتهديدا له "كي يلزم حده"·
الخرجة الأخيرة لتوفيق الدباب نائب مديرة الأخبار بالقناة الثانية سميرة سيطايل، جاءت هي الأخرى لتسير في الاتجاه نفسه تكرس النهج ذاته·

- بداية جديدة لصراع قديم
كانت البداية لهذا الصراع الذي لم يخمد قط مع حوار مقتضب يتمحور حول ثلاثة أسئلة أجرته الزميلة "الأيام" مع توفيق الدباب بخصوص التقرير السنوي حول حرية الصحافة بالمغرب والذي اعتبر مديرية الأخبار بالقناة الثانية "متخصصة في تمرير المناورات السياسية التي تقوم بها الأطراف النافذة في السلطة"· استل الدباب سيفه ليقطع الرقاب وينزع الرؤوس· في البداية أكد ضرورة التمييز "بين النقابيين والصحافيين، وبين المتخصصين في السب والقذف والشتم"· معتبرا أن فعل التمييز بين القناة الثانية ومديرية الأخبار أمر أصبح عاديا منذ تولي سميرة سيطايل زمام مديرية الأخبار باعتبارها منصبا هاما وحساسا" إذ أصبح هناك مختصون في السب والقذف ضد سميرة وضد مديرية الأخبار·
ولم يفت الدباب أن يطلق النار على برنامج تنتجه القناة التي ينتمي إليها والحديث هنا عن برنامج "أبواب المدينة" الذي اعتبر ميزانيته توازي ميزانية مديرية الأخبار ومع ذلك فهو "طبعة منقحة ومزيدة لنشرة الأخبار الجهوية غير المأسوف عليها، وهو برنامج يستضيف كل رجال السلطة الذين تطرح عليهم أسئلة منتقاة"·

- نيران صديقة
لم يسلم من طلقات الدباب زملاؤه في المديرية نفسها· "هناك عناصر معينة في المكتب الوطني للنقابة تشتغل في القناة ، وهناك من له مصالح معينة وشخصية· في التقرير يقولون إننا تلفزة غير ديمقراطية وأنا أعرف أن هناك عضوا من المكتب الوطني للنقابة (يعمل في القناة الثانية) أرسلناه مرة لتغطية نشاط ملكي كان رئيس الدولة يعلن فيه انطلاق مشروع اقتصادي بمليون درهم·· هل تعلم كيف بدأ تغطيته لهذا النشاط لقد بدأها بالقول "الجهاد الاقتصادي للملك" تصوروا لو أن ميزانية المشروع كانت بمليار درهم، هل كان المعني بالأمر سيرتقي برئيس الدولة إلى مدارك الربوية؟ هذا مناضل ومسؤول في النقابة ولا أحد أجبره على قول ما قال ولكن ···نحن نقبل النقد المبني على وقائع لأنه نقد يفيدنا في تطوير أدائنا، لكن للأسف، هذا نوع من الكلام الذي يطلق على عواهنه لا يفيد أحدا، ويضر بأصحابه ويحول النقابة إلى إطار لتصفية الحسابات"·

- تيارات تجرف الأخضر واليابس
وحول رده على الانتقادات التي توجه إليه من داخل القناة الثانية، لدرجة أن أن أحد العاملين بها اعتبر أن القناة كان حالها أفضل في عهد ادريس البصري· قال الدباب "أولا أحيي بحرارة جرأة الزميل صاحب هذا الرأي لأنه زميل يخرج إلى الساحة بوجه مكشوف ولا يختفي وراء شوارب كثة ولحية مسدولة، من باب المزاح لا غير، أنا مسرور لأن الزميل الذي عبر عن هذا الرأي توصل برسالة SMS من إدريس البصري يشكره فيها، أعتقد أن زميلنا يستحق الشكر لأنه أحيا رجلا مات· أنا أذكر مثلا، أن زميلنا هذا، كان يعلق على جنازة الملك الراحل الحسن الثاني ويصفه بالأب الرؤوف الرحوم الحنون··· وعندما أعلنت هيأة الانصاف والمصالحة ، قدم ملفا من أجل التعويض· أتمنى أن يتسع صدر زميلنا للمزاح، أما المغاربة فذاكرتهم ليست قصيرة، وهم يعرفون جيدا كيف كانت تلفزتهم· أنا في المقابل سعيد لكون زميلي وصديقي الذي عبر عن هذا الرأي هو واحد من الذين لهم غيرة كبيرة على المهنية بما أنه في إطار اشتغاله ضمن المنظرين الجدد للإعلام، استطاع أن يبتدع جنسا جديدا في التلفزة ألا وهو اقتسام وقت برنامج حواري بينه وبين ضيفه· بمعنى أنه يتكلم المدة الزمنية نفسها التي يسمح لضيفه بالحديث فيها· أعتقد أنه يقدم في برنامجه ذاك، ما يمكن وصفه بإشباع الإشباع لدرجة أنه يستحق عرضه على طبيب نفسي، خصوصا أن له أنا نشيطة جدا، ومع كل هذا، فزميلنا هذا هو "أحد الناس" لا كل الناس الذين أعتز بصداقتهم وأتمنى أن يتقبل مزاحي"·

- ضحك البنّاية
بعد كل هذا يقول الدباب "أؤكد من جديد أن الطابع المرح لهذه الزاوية سمح بالكثير من النقد المتبادل، مع الرجاء بأن تتم قراءة كلامي في إطار المزاح"·
أغلب ردود الأفعال داخل القناة شجبت تصريحات الدباب، واعتبرتها "استهتارا"، وفعلا "غير مسؤول صادر عن مسؤول"· وقالت مصادرنا إن خرجة نائب مديرة الأخبار خطوة غير محسوبة وخلفت استياء واسعا داخل القناة· كما اعتبرت مسألة "المزاح بين الزملاء" تدخل في إطار الضحك على الدقون بل هي تصفية حساب واضحة، وصفتها مصادرنا ب"ضحك البنّاية"· بحكم أن الدباب ترك مكة وذهب إلى الشام وبدل أن يناقش التقرير بشكل مهني، اختار إطلاق النار على زملائه·
وتساءلت مصادرنا عن ضرورة معرفة إن كان الدباب "الذي يعيش في كنف سيطايل" قد تصرف من ذات نفسه، وهدف من تحركه إشعال النار ليؤكد إخلاصه لها، وبالتالي فقد ورطها في صراع مفتوح، أم جاءت خرجته بإيحاء من "السيدة"· السؤال الكبير تضيف مصادرنا يتعلق بتحديد المسؤوليات، خصوصا مع وقوف مدير القناة عاجزا أمام ما قام به الدباب، رغم تعرضه لزملائه من جهة، ولبرامج مرتبطة بالقناة من جهة أخرى·

- بصق في البئر الذي يشرب منه
في تعليق لمدير قسم البرامج بالقناة الثانية اعتبر محمد ماماد "ما حدث ضربا من "التخربيق"، "نحن ننتمي إلى قناة واحدة، ولا أريد أن أدخل في هذا البوليميك· لنا مدير واحد وننتمي إلى مؤسسة واحدة ويجمعنا هدف واحد· بالنسبة إلي أنا أدافع عن الأخبار بالقدر الذي أدافع به عن برنامج "أبواب المدينة"، فكلنا موظفون في المحطة، ولا نمتلك شيئا نقتتل من أجله· هذا بوليميك لا محل له من الإعراب، وليس له أي سبب للوجود، وسيوصلنا لا محالة إلى شيء لن يرضينا جميعا· في حين أن نجاح برنامج إخباري مثلا، هو بالنسبة لي مفخرة، لأنه نجاح للقناة التي أنتمي إليها"·
أما يونس مجاهد الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، فيؤكد أهمية ما قامت به النقابة التي تصبو إلى السمو بالنقاش من مستوى التهجم إلى الحوار الهادئ والبناء· "لقد قمنا بتقييم واقع الصحافة في البلاد ومن الممكن أن يكون صوابا، كما يمكن أن تشوبه أخطاء· كل الأشياء تبقى نسبية وتتطلب التمحيص والمناقشة، أما تشخيص الأمور والدخول في نزاعات ذاتية فهو أمر لا يعنينا، وليس من أخلاقيات النقابة· يمكننا فقط إثارة الانتباه إلى هذه الظاهرة التي تجعل من نقاش عادي، يتطلب التفكير والتأمل، يتحول إلى معركة لخلق العداوات والحزازات بين الزملاء· وهي ظاهرة تسيء إلى سيرورة تطورنا وتعيقها· نحن لسنا ملائكة ولم نقدم تقريرا مقدسا بل اجتهادا، لكن لا يجب أن نتجاوز مرحلة النقد الذاتي إلى أمور أخرى تسيء إلينا جميعا وتجعل الآخرين ينظرون إلينا بشكل سلبي·

- نهاية مسلسل مازال في بدايته
أكدت مصادرنا صعوبات العمل داخل مديرية الأخبار واعتبرتها تتعامل بمنطق الإذعان أو الرحيل· الصحافيون الذين أهينوا في الحوار المذكور هم الآن بين مطرقة الدفاع عن النفس وسندان العيش تحت سقف واحد داخل مؤسسة يخشون غارات الانتقام· فمنذ تعيين سيطايل في شهر ماي 2002 غادرت المديرية كوكبة لا بأس بها من خيرة الصحافيين مثل أديب المشرافي وأنس بنصالح وعمر المخفي وخالد أدنون وعبد الناصر بنوهاشم ومحمد نبيل ومحمد العمراني وادريس أوهاب وعبد الرحيم تافنوت وشكري البكري وعبلة اعبابو وهشام الدشراوي وفتيحة أحباباز وأحمد زايد وفدوى الحساني···
أجمعت مصادرنا على أن القناة الثانية تعيش وضعا نشازا، غير موجود في أي مكان آخر· فمديرية الأخبار لا تخضع لسلطة المدير، بل إنها خارج منطق صلاحيات بنعلي لدرجة أنها أصبح موضوع تنكيت وفكاهة· إذ تتداول الألسن أن مديرية الأخبار حصلت على الحكم الذاتي الموسع قبل تطبيقه في الصحراء المغربية· لها كوركاسها ومجلسها دون الحاجة إلى بان كي مون ولا هم يحزنون! وتضيف المصادر ذاتها أن النزاع المسلح داخل القناة هو نزاع بين خيارين: الخيار المهني والخيار غير المهني بدعم خارجي· وتلك الجهات يجب أن تعيد النظر في خياراتها، والتخلي عن منطق الثقة للتحول إلى منطق الكفاءة·
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق