19‏/07‏/2007

رشيد غلام خط أحمر في العدل والاحسان ونموذج لأناشيد الجذبة

سر الوصفة السحرية للدين والأناشيد الدينية
رشيد غلام خط أحمر في العدل والاحسان ونموذج لأناشيد الجذبة
تبدأ الحكاية عادة بأطفال صغار متحلقين في غرفة ضيقة بحي شعبي، يحرسهم شاب ملتحي تفوح منه رائحة المسك، منهمكين في قراءة بعض الكتب التراثية، وحين يصاب الأطفال بالملل، يضغط الشاب الملتح على زر جهاز الراديو فينبعث منه صوت عذب رخيم، قبل أن ترتفع نبرات الصوت، ويتصاعد ايقاع الدف، فيغيب الأطفال في عالم الجذبة·
صورة تتكرر يوميا في جلسات جماعة العدل والاحسان، فجلسات الانشاد وسيلة ناجعة ل"منهاج تربوي" خاص بالجماعة، أثبت فعاليته في استقطاب مئات الأشخاص إليها·· والجماعة تدرك هذه الخاصية فتسارع إلى منح بعض "الحرية" إلى مريديها للتحول إلى منشدين ضمن فرقها الخاصة·
تعج الجماعة بعشرات الفرق الموسيقية، ولإضفاء مسحة التدين عليها تختار هذه الفرق أسماء المعارك مثل بدر وأحد أو أسماء شخصيات تاريخية، قبل اختيار أعضاء الفرق وفق مواصفات دقيقة، فهناك الانضباط العسكري للأوامر، والمشاركة الميدانية في أنشطة الجماعة، حتى لو تعلق الأمر بوقفة احتجاجية لطفل أمام باب المحكمة أو في الشارع العام، ومنها أيضا التوفر على صوت رخيم، وموهبة في الانشاد·
طريقة ذكية للايقاع بالأطفال في شباك الجماعة، فالأطفال يعشقون عادة تغاريد العصافير دون أن يدركوا أن هذا العشق هو فقط شِرك يقودهم إلى الاصطفاف أمام أبواب زعيم الجماعة عبد السلام ياسين في انتظار نبوءاته الخارقة·
الاجتماع في غرفة ضيقة وتشغيل شريط الأناشيد وحفظها من أجل ترديدها أمام زملائهم في نهاية الموسم الدراسي تحت يافطة "الأمداح النبوية"، و في المخيم والمنازل أمام الآباء·· هي فقط وسيلة لتذويب أفراد الجماعة في طقوس الجذبة، فحين يطلب من أحدهم المشاركة في مهرجانات في الجامعة، يؤمن الطفل المسكين، وهو يسمع صدى التصفيقات وعبارات التكبيرأن مستقبله الناجح هو الآن بين أيدي زعماء الجماعة، خصوصا بعد تقديم أمثلة حية عن نجاح بعض فرق الأناشيد، فأمامهم قدوة حية تتمثل في رشيد غلام الذي نجح في خلق شهرة عالمية انطلاقا من صوته الرخيم، وأعضاء الجماعة لا يكفون عن التذكير بمساره الفني: فقد "احترف الفن منذ أن كان عمره 13، ودخل ميدان المديح النبوي منذ 20 سنة، وشارك في مهرجان قرطاج بتونس، ومؤتمر الموسيقى العربية بدار الأوبرا بالقاهرة، ويعمل مديرا لمؤسسة الضحى للانتاج الفني والاعلامي التي أسسها سنة 1995، وأنجز 10أشرطة خاصة، وأسس فرقة موسيقية صوتية بها 30 فردا، ويشرف الآن على فرقة أخرى التي أسسها بدورها منذ حوالي سنتين"·
ريبرتوار يحبل بالانجازات تجعل الصغار مشدوهين، فيحاولون بالفطرة تقليده، وهو ما يفسر وقوف الجماعة مع رشيد غلام في "محنته" الأخيرة، فهي لن تسمح "للقانون" أن يضرب كل هذه المجهودات عرض الحائط في لحظة ضعف·
غلام يتربع على عرش مسابقات top 10 منذ سنوات طويلة، وهو لا يخفي انتماءه إلى جماعة العدل والاحسان، بل هو أحد أعمدتها الأساسية في استقطاب المريدين، وهو أيضا عندليب الجماعة لما له من قوة وتأثير في المستمعين إلى أناشيده، ووراء كل ذلك علاقات وقدرة على الاستقطاب، فهو مالك أسرار الجماعة، مما جعلها تقيم الدنيا ولا تقعدها حين اعتقلت المصالح الأمنية بالجديدة رشيد غلام بتهمة الخيانة الزوجية قبل أن تقدم زوجته من أمريكا تنازلا، وتم تكييف التهمة إلى التحريض على الفساد أدين خلالها بشهر حبسا نافذا وغرامة خمسة آلاف درهم·
أتقنت الجماعة نظرية المؤامرة إلى حد كبير، في محاولة لاثبات براءة عندليبها، وانخرطت الآلة الاعلامية للجماعة، وبعض المتعاطفين معها في جرائد أخرى للدفاع عن "العندليب" من أجل تفويت الفرصة على الخصوم·
تحسن الجماعة أيضا اللعب على الأوتار الحساسة، واعتبرت اعتقال غلام في سياق حملات الاعتقال التي تطولها، واستعمال العنف ضد أفرادها، فرشيد غلام هو "فرصة" نادرة لها لتحقيق أهدافها·
من البديهيات داخل الجماعات التي تتحدث باسم الدين في العالم العربي أن تبني الأناشيد الدينية يندرج عادة في استراتيجية بعيدة المدى، فهي تعبير عن البديل الذي تقترحه هذه الجماعات حين تتسلم مقاليد السلطة، فالأعراس والأغاني بالتلفزيون، وحفلات التخرج من المؤسسات التعليمية، ومهرجانات المدن تخضع إلى سلطة الرقيب الذي لن يؤشر إلا على أناشيد وطقوس الجذبة، والويل لمن تجرأ واستمع إلى بعض أغاني "التمييع والعبث والشيطنة، فالفن فهو مثل موقع الكلمة الجميلة، وهو رسالة ربانية"، على حد قول غلام في موقعه الالكتروني، في إشارة إلى مصطلحات مقتبسة من كتاب المنهاج النهبوي لمؤلفه عبد السلام ياسين·
لا يخفي غلام انتماءه السياسي إلى الجماعة، ويستند على كتب عبد السلام ياسين في موقعه الالكتروني الذي يفتتحه بآية قرانية تحيل على براءته "ربي السجن أحب إلى مما يدعونني إليه"، فيما نجحت جماعة العدل والاحسان في جعل قضية أخلاقية لها امتداد سياسي، وتحول غلام من مدان قضائيا إلى رمز لحرية التعبير، في استخدام انتهازي للدين الاسلامي، ويكفي ما أشار إليه أحدهم في موقع الجماعة تعليقا على اعتقال رشيد غلام، حين قال "التغني برسول الله ممنوع في المغرب"، وغلام طبعا هو المطرب المثالي في العالم بأجمعه للتغني برسول الله·
خالد العطاوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق