05‏/11‏/2007

ثريا

ثريا
لم يتعرض أي وزير في حكومة عباس للنقد والتعنيف بالقدر الذي تعرضت له وزيرة الثقافة الفنانة ثريا جبران. ويبدو لأول وهلة أن الأمر يتعلق بجنس الوزيرة كونها امرأة تعرضت للهجوم من قبل بعض "الماتشويات" الذكوريين، لكن سرعان ما ينجلي هذا الطرح مع ضم الحكومة نساء أخريات مثل ياسمينة بادو وأمينة بلخضرة ولطيفة أخرباش دون أن يلتفت إليهن أحد أو يثير تعيينهن أدنى احتجاج.
إن الجريمة التي اقترفتها يدا الوزيرة الآثمة أنها متحدرة من ميدان الفن، وأفنت عمرها على خشبة المسرح، واستديوهات التلفزيون، وبلاطوهات السينما. وفي "زمن الدقة على النيف"، كانت تقدم أعمالا تعبر عن ما لم يقو رجال بشوارب غليظة حتى التفكير فيها. وكافحت وناضلت من أجل فن هجره ناسه، في الوقت الذي كان آخرون يجلسون في مدرجات مدرسة القناطر والطرق الفرنسية.
إن كل ما كتب عن ثريا جبران نابع في حقيقة الأمر من نظرة دونية تجاه الفنان عموما، باعتباره بهلوانا لا يمكن قط أن يفكر بشكل جدي، كما كان الحال مع جميع البهلوانات على مر التاريخ، إذ انحصرت مهمتهم في التراقص والغناء وإضحاك الحاكم أو الأمير، دون ان يتجاوز الحدود. إنه نوع من التفكير القاصر، وتوزيع لدور قاصر لا يمكن التعامل به مع بداية الألفية الثالثة، وفي وقت جعلت بلدان أخرى ضليعة في الديمقراطية من ممثل "فاشل" اسمه رونالد ريغان رئيسا للدولة، يمتلك مفاتيح السلاح النووي ويتحكم في العالم بأسره. وأصبح نجم هوليوود "أرنولد شوازنغر" حاكم أكبر ولاية أمريكية دون أن يرى فيه أحد لا "تيرميناتور" ولا ممثل أفلام حركة وخيال علمي تافهة. وفي بولونيا أيضا أصبح كهربائي نكرة اسمه "ليش فاليشا" لا يدري أحد بوجوده رئيسا للدولة!
بعد كل هذا، أليس من المجحف توجيه التهم لثريا جبران التي لم تجرب بعد كرسي مكتبها في الرباط، ونستل سيوف الضغائن القديمة ونقيم لها المقصلة في مكان عام لتصفية حسابات مع الفن والفنانين. لكن في المقابل سنضرب لهذه المسرحية الكبيرة موعدا بعد سنة، لنرى حصيلتها، ونحكم على برنامجها بعيدا عن أية محاكمة للنوايا، والأفكار القبلية المتخلفة التي ما أنزلت الديمقراطية بها من سلطان.
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق