14‏/10‏/2007

هيأة إنصاف ومصالحة تلفزيونية

هيأة إنصاف ومصالحة تلفزيونية
من حسنات هذا الزمن الأغبر أن مراكز التعذيب لم تعد سرية، كما كان الحال في تمارة، أو تقام في الفيافي كما هو الحال في أكدز أو تازمامرت، بل غدت عناوينها معروفة، وأسماؤها لا تخفى على أحد، وتتبجح ليلا ونهارا بممارساتها اللاإنسانية المنافية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والضاربة بعرض الحائط كل المواثيق التلفزيونية.
إن ما عشناه في الشهر الفضيل يا إخوان هو انتهاك جسيم لحقوق الإنسان، وأيام تنتمي إلى سنوات رصاص تلفزيونية مريرة، انتقل فيها التعذيب من دار المقري إلى دار البريهي، وترك الجلادون درب مولاي الشريف، لينشئوا شركات إنتاج خاصة بالتعذيب والاستنطاق، تخضع يوميا المشاهدين للفلقة مع المسلسلات الهزيلة، والطيارة مع السيتكومات المقرفة، وتمرر "الضو" على رؤوس حلمات صدورنا كي نطلب العفو والتسليم، ونتوب عن رؤية القنوات الوطنية، ونحلف ونزاوك "عمر داوود ما يعاود"، ويرغمونا بالتالي على "الحريك" إلى قنوات الخارج والمتعة القادمة من الشرق والغرب.
إننا نطالب بجلسات علنية ليس من أجل الاستماع إلى الضحايا الذين يقدر عددهم بالملايين، بل بجلسات يعترف فيها البهلوانات ومحترفو التعذيب الممنهج واختصاصيو "الكوت أ كوت" من ذوي السوابق الشنيعة. ونرى أن الهيأة العليا للسمعي البصري التي تسمى اختصارا "هاكا" مقصرة جدا، بل هي لا تقوم بواجبها بالمرة، ولابد من تنظيم مظاهرات احتجاجية أمام مقرها بالرباط، ولم لا القيام بإضراب عن الطعام "ما دمنا صايمين". فكيف يعقل أنه بعد مرور كل هذه الأيام من شهر رمضان، لم تطلب من القناة الأولى ولا الثانية، عرض تحذيرات قبل البدء في بث برامج وقت الذروة أو وقت "الهراوة"، الذي يتزامن مع جلوس العائلات المغربية لتناول الفطور. لقد كان مفروضا على الهاكا، وبشراكة مع وزارة الصحة أن تعوض تلك الشارات الملونة التي تحذر الأطفال الذين يبلغ سنهم أقل من 10 سنوات أو 12 سنة أو 16 سنة من مشاهدة فيلم من الأفلام أو برنامج من البرامج، بتحذير من نوع آخر يمنع ما يسمى "الفكاهة الرمضانية" على المعلولين و"قلال الصحة". ويطلب من المشاهدين المرضى بالقلب عدم مشاهدة "جوا من جم" لأنه يسكت القلب، والمصابين بالضغط يمنع عنهم "شريكتي مشكيلتي" لأنها تزيد الضغط لدرجة الانفجار، ويحذر مرضى السكري من مشاهدة العوني لأنه "كيطلع" السكر والملح وما جاورهما.
إن المغاربة اليوم ينتظرون من فيصل العرايشي المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة أن يضع جبة المرحوم ادريس بنزكري، وينشئ هيأة للإنصاف ومصالحة المشاهدين مع قنواة يمولونها من جيوبهم، ويدخل الأولى ودوزيم إلى "العهد الجديد"، ليضع حدا لسنوات الرصاص التلفزيوني، وغارات القمع وزوار "البرايم التايم". ويعوض المناضلين البسطاء عن فيضان الرداءة وتسونامي القبح بتلفزيون يحترمهم ويحترم ذكاءهم.
وبعد كل هذا، يطلع علينا بين الفينة والأخرى شرذمة من المأجورين الذين يشتغلون في فن الفهلوة و"تعمار الشوارج"، وتتفتق قريحتهم بمقولة إن ما يكتب هذه الأيام في الجرائد والمجلات ليس نقدا تلفزيونيا ولا يمت إلى النقد بصلة. وهو كلام مقبول ومعقول، أبصم عليه بالعشرة، بل أبصم عليه بكل جسدي لو أحبوا، لأن النقد يتوجه بالأساس إلى المنتوج التلفزيوني، وليس إلى القاذورات والنفايات المعروفة مطارحها، التي تتميز بمصطلحات الصرف الصحي، ولغة المراحيض والواد الحار، وليس نظريات النقد المعقدة ولا المصطلحات العالمة.
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق