15‏/10‏/2007

باكريم: الأفلام المغربية ستسائل نفسها وتطرح إشكالات بشكل تلقائي


باكريم: الأفلام المغربية ستسائل نفسها وتطرح إشكالات بشكل تلقائي
-------------------------------------------------------------------
المدير الفني للمهرجان الوطني للفيلم اعتبر في حواره مع "الصباح" ان الخطاب الأساسي في هذه الدورة هو خطاب الأفلام
--------------------------------------------------------------------
يمثل المهرجان الوطني للفيلم، فرصة أمام السينمائيين والنقاد والمهتمين بهذا الحقل الفني من أجل طرح عدة قضايا وتساؤلات تهم بالأساس السينما المغربية وتناقش ماضيها وحاضرها وتستشرف رهاناتها المستقبلية.
في الحوار التالي مع محمد باكريم المدير الفني للمهرجان الوطني للفيلم والناقد السينمائي المعروف، سنحاول مقاربة مجموعة من القضايا والأسئلة التي يمكن أن تطرح بحدة تارة وبإلحاح تارة أخرى على طاولات النقاش في مدينة طنجة.
--------------------------------------------------------------------
أجرى الحوار: جمال الخنوسي
-----------------------------------------------------------------
- في نظركم ما هي الأسئلة التي ستطرح على طاولة النقاش بشكل ملح، والقضايا السينمائية التي ستكون مثار مساءلة بمناسبة الدورة التاسعة للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة؟
- - المهرجان يبقى عادة فرصة للمهنة للتوقف عند الإشكالات الكبرى التي تطرح أمام السينما، وقد ارتبط المهرجان منذ بدايته بهذا التقليد، فبالإضافة إلى عرض الأفلام يتم التطرق إلى مجموعة من الإشكالات التي تطرح على طاولة النقاش. ويمكن القول اليوم إن العديد من القضايا تم استنفادها وأصبح من اللازم الآن تفعيل بعض التوصيات والخلاصات التي وصلت اليها المهنة. لقد كان المغرب يعرف سابقا مفارقة عجيبة تتجلى في طغيان الخطاب حول السينما مع غياب الخطاب السينمائي، ومنذ الدورات الأخيرة كان هناك تصحيح لهذه المفارقة، وأصبح هناك خطاب سينمائي يستوجب إثارة أطروحات جديدة ومساءلة قضايا نابعة من هذا الخطاب السينمائي نفسه. لقد غدت العديد من الإشكالات التي كانت بالأمس نظرية، عملية مع وتيرة إنتاج مرتفعة: فمثلا إشكالية كتابة السيناريو التي طرحت منذ مدة حاولت الكليات والمؤسسات إيجاد حل لها إلا أن الأمر لم يتقدم قيد أنملة، إلا انه مع ارتفاع وتيرة الإنتاج طرحت إذاك قضية السيناريو بشكل عملي وتم إيجاد حلول عملية لها، وأصبحنا اليوم نسمع عن بعض الأسماء التي برزت في الميدان. هذا لا يعني أننا لسنا مجبرين على الاهتمام بالجانب النظري، لكنه مؤشر فقط على ضرورة إيجاد سبل وصيغ جديدة للتعامل مع القضايا السينمائية في المغرب.

- ما هي الاسئلة والقضايا التي طغت على أجواء الدورة السابقة؟
- - لقد تم تحديد قضية بشكل رسمي كموضوع ندوة "علاقة السينما بالتلفزيون"، إلا أننا نفاجأ دائما بأسئلة تنبعث بشكل غير رسمي، وتلزمنا بالتفكير فيها ومناقشتها. والدورة الثامنة عرفت جدلا واسعا حول ماهية الفيلم المغربي، وهل ترتبط هوية الفيلم بجنسية المنتج أم المخرج، وهذا نقاش وإن عرف انزلاقات سلبية وغير محبذة، فإنه يصب عموما في جو الحريات العامة والنقاش في المغرب عموما. مع ذلك جاءت خلاصاته ايجابية، وتصب في فكرة جوهرية مفادها ان المغرب يشتغل في منظومة سينمائية مفتوحة. فمن ناحية تؤمن بان المخرج هو من يمنح الهوية للفيلم: فإن كان مغربيا يشتغل في فرنسا وكان الفيلم بتمويل فرنسي ك "ماروك" مثلا، يبقى مع ذلك مغربيا، ومن ناحية أخرى فإن الهوية الأساسية التي يمكن أن تطرح أمام الفيلم تتعلق بمدى ارتباطه وانتمائه إلى قارة السينما، وقدرته على إيجاد لغة سينمائية تعبر عن نفسها من خلال انتماء ثقافي معين.

- ماذا إذن عن القضية الرسمية التي سيتم طرحها للنقاش في هذه الدورة؟
- - لقد ارتأينا في هذه الدورة أن تسائل الأفلام المشاركة نفسها وتطرح قضاياها بشكل تلقائي. لسبب بسيط راجع إلى الكم الهائل من الأفلام المشاركة الذي جعل من الخطاب الأساسي في هذه الدورة هو خطاب الأفلام نفسها. ولم تعد هناك مسافة زمنية تسمح بتنظيم ندوات أو غيرها، واكتفينا بمناقشات الأفلام المعروضة التي ستطرح حتما قضايا وإشكالات ستكون موضع جدل واسع، سيكون فرصة للمتتبعين لإجراء مقارنات ومقاربات خصوصا مع المستوى المتميز الذي برهنت عليه الدورة السابقة.

- من بين القضايا التي من المنتظر طرحها إشكالية علاقة الكم بالكيف..
- - فعلا هذا سؤال ذو صبغة إستراتيجية وقد سبق طرحه من قبل بخصوص الفيلم القصير من خلال طرح السؤال: هل هذه الوتيرة في الإنتاج تبشر بقيمة مضافة على مستوى الإبداع السينمائي. تتفق معي أن الجواب عن هذا السؤال لن يكون قطعيا في أي حال من الأحوال، ويبقى الجواب مرتبطا بالزمن والتاريخ، لكن الدلائل والبراهين تشير إلى استحالة وجود نوع بدون كم. وأظن أن هذه الدورة ستؤكد ما راج في الدورة السابقة، لقد بزغت بوادر في الدورة الثامنة من خلال أفلام قصيرة ستثبت جدارتها لا محالة من خلال أعمال طويلة أو قصيرة في هذه الدورة أيضا. وتحضرني مقولة للمخرج العالمي "فيم فانديرز" الذي قال إن المخرج الذي لا ينتج فيلما على الأقل في سنتين يصبح أميا، والسينما المغربية حينما تمنح للعاملين فيها الفرصة "للقضاء على الأمية" فإنها بذلك تعطيهم الفرصة ليحافظوا على حرفيتهم وأسس الانطلاق، وكل سينمات العالم التي لها صيت ووزن تعتمد وتتميز بقاعدة إنتاجية ضخمة مثل الولايات المتحدة والهند وفرنسا وروسيا. والمغرب الذي كان غائبا عن الساحة أصبحت له اليوم مشاركات في مهرجانات عالمية وهي مشاركات ليست تأثيثية فحسب بل مشاركات تتميز بحضور قوي وانتزاع جوائز قيمة.

- هناك أيضا أسئلة قديمة جديدة تتعلق بأزمة القاعات السينمائية التي تندثر، وبآفة القرصنة، وهي إشكالات رغم أنها مطروحة على الساحة منذ مدة، إلا أنها حافظت دائما على راهنيتها..
- - صحيح أنها أسئلة قديمة لكنها تطرح دائما بصيغ جديدة. وتاريخ السينما هو دائما مرتبط بأسئلة قديمة محينة. فعندما ظهر التلفزيون انطلق الحديث عن نهاية حتمية للسينما، لكن في الحقيقة الأمر ساهم التلفزيون في تغيير موقع السينما كممارسة اجتماعية. وأسئلة القرصنة وعزوف الجمهور مرتبط أيضا بظهور التلفزيون، ورغم أن السينما تكيفت واستمرت، لم يكن هذا التكيف دليل نهاية أو موت بقدر ما كان مؤشرا عن بداية مرحلة جديدة.

- هل يمكن الحديث أيضا عن موجة شبابية جديدة مقابل سينما للرواد تتجلى مثلا في مشاركة قيدوم السينمائيين لطيف لحلو بجانب فوزي بنسعيدي الذي ينتمي إلى الجيل الجديد؟
- - فعلا هذه من الظواهر الصحية للسينما المغربية، ويتجلى هذا التنوع على المستوى الجمالي والفني والموضوعاتي وكذلك على مستوى اختلاف الأجيال. فعندما يحضر المخرج لطيف لحلو مع سهيل وعماد نوري أو فوزي بنسعيدي، فنحن هنا مع قطبين على المستوى العمري، وهو أمر مشرف للسينما المغربية إلا أن فيلم لحلو مثلا يمكن أن يكون أكثر شبابا وجرأة في الطرح، وهو ما يميز عمله "سميرة في الضيعة".

- هل يمكن أن نتساءل حول ظاهرة الممثلين المخرجين التي بدت جلية من خلال تجربة رشيد الوالي ومحمد نظيف وحميد باسكيط وإدريس الروخ؟
- - هذه الظاهرة تبدو جلية في الأفلام القصيرة المبرمجة في هذه الدورة ولم يصل مدها بعد إلى الأفلام الطويلة، وقد افتتح هذه التجربة الممثل محمد مفتاح، وهي على كل حال تقليد عالمي (جودي فوستير وكلينت ايستوود) ومؤشر هام على انفتاح المنظومة السينمائية المغربية التي تستقبل الكثير من الفئات بما فيها غير المشتغلين في المجال. من ناحية أخرى يمكن طرح سؤال للنقاش والبحث حول القيمة المعيارية للممثل في المجتمع المغربي، وهو سؤال جوهري يجب طرحه أمام "المد الثقافي المحافظ" داخل هذا المجتمع، مع العلم أننا نعيش مفارقة كبيرة: ففي الوقت الذي تسير فيه الدولة في اتجاه العصرنة والتحديث، تخترق المجتمع "اتجاهات ثقافية محافظة"، ويمكن لبعض المهن أن تتأثر بهذا المد بشكل خاص، ومنها على الخصوص مهنة الممثل الذي يمثل دورا تنويريا خصوصا للشباب من خلال التماهي وتقديم عناصر النجومية والإبداع والفرجة والحلم وسيكون من البؤس افتقاد المغرب هذه القيمة الاجتماعية.
-----------------------------
بوكس:
محمد باكريم
- المدير الفني للمهرجان الوطني للفيلم
- يشغل منصب مندوب المركز السينمائي المغربي بمدينة الدار البيضاء
- مكلف بمهمة التواصل والعلاقات مع الصحافة.
- ناقد سينمائي
- نائب رئيس الفدرالية الإفريقية للنقاد السينمائيين.
- صدر له سنة 2006 كتاب "الرغبة المتواصلة: أوراق سينمائية"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق