29‏/02‏/2008

من هم الإرهابيون الجدد؟

يضمون في صفوفهم تجارا ورجال تعليم وصحافيين وعميد شرطة ومسؤولين سياسيين أيضا
الشبكة الإرهابية التي تم تفكيكها أخيرا مقلقة لأنها لا تشبه سابقاتها
---------------------
فاجأت العمليات الانتحارية ل16 ماي 2003 التي أودت بحياة 45 شخصا، المسؤولين عن الأمن في البلاد، وتحدث حينها جلالة الملك عن نوع من "التراخي"، ومنذ ذلك الحين تم تدارك الأمر، ولم نعد نتمكن من إحصاء المجموعات الإرهابية التي ألقي عليها القبض (أكثر من عشرين مجموعة)، ومع ذلك تعتبر الشبكة التي تم تفكيكها في 18 فبراير الماضي بلا مثيل، لا في التاريخ أو في الإستراتيجية، ولا الاستقطاب أو التمويل، ولا العلاقات مع الخارج أو البعد السياسي .. يتعلق الأمر هنا بنوع جديد من الإرهاب غير المعهود لحدود اليوم في المملكة.
من مواليد الريف المغربي هاجر عبد القادر بلعيرج المعروف بإلياس أو عبد الكريم، البالغ من العمر 51 سنة، إلى بلجيكا مثله مثل العديد من أبناء المنطقة. استفاد من جنسيته المزدوجة المغربية البلجيكية في إقامة العديد من المشاريع في بلده الأصلي الذي يتردد عليه بكل سهولة، مستقلا الطائرة من وإلى بروكسيل. لكن لسوء الحظ وراء رجل الأعمال كان يختبئ زعيم عصابة متهم بست جرائم قتل في بلجيكا بين 1986 و1989، لم يتم العثور قط على مرتكبها، ويمكن أن تظهر العديد من المعطيات الجديدة في وقت لاحق بعد توصل السلطات البلجيكية بملف القضية من نظيرتها المغربية.
شبكة بلعيرج كانت مراقبة على مدى سنوات كما أوضح ذلك وزير الداخلية شكيب بنموسى في 20 فبراير الماضي، وقررت المصالح الأمنية وضع حد لها واعتقالها، "لأن حياة مجموعة من الأشخاص مهددة"، ويتعلق الأمر بشخصيات مرموقة، ووزراء، وضباط، وكذلك مواطنين عاديين يهود، وبرلمانيين، والعديد من المواقع السياحية أيضا.
في المجموع أكثر من 32 شخصا ألقي عليهم القبض، وكملاحظة أولى: هؤلاء ليست لهم أية علاقة أو شبه مع المحرومين أو الانتحاريين المهمشين بحي سيدي مومن، الكاريان الشهير بالدار البيضاء، فإضافة إلى زعيم الشبكة، نجد عنصرين آخرين من المهاجرين المغاربة في بلجيكا، يتمتعان هما أيضا بالجنسية المزدوجة. وجميعهم نجح في حياته العملية، إضافة إلى العديد من التجار، وأربعة أساتذة ومعلمين، و صيدلانيين، وخبير في المعلوميات، وتقني في الاتصالات، ومجوهراتي، وصحافي، وعميد شرطة.
والأسلحة التي تم حجزها خصوصا في الدار البيضاء والناظور دليل على أننا لسنا أمام خلية تم تكوينها على وجه السرعة من أجل القيام بعمليات انتحارية مرتجلة، "إنها نوعية الأسلحة التي كان يعثر عليها في سنوات السبعينات في حوزة مجموعة أبو نضال أو كارلوس" يقول خبير أوربي. تسعة رشاشات من نوع كالاشنيكوف، وبندقيتان رشاشتان من نوع "أوزي"، وسبعة مسدسات رشاشة من نوع "سكوربيو"، وعشرة مسدسات أوتوماتيكية، وذخيرة حية من أنواع مختلفة، وكاتمات الصوت، وصواعق، وكم هائل من الوثائق المزورة.
طريقة التمويل هي الأخرى متطورة، في البداية تجمع أموال محصل عليها عن طريق السطو وتوظف في ما بعد في عمليات عقارية وتجارية وسياحية بجميع أنحاء المغرب. ففي سنة 2000 تمكن منظمو الهجوم على مقر مؤسسة "برانكس" في لكسمبورغ من الحصول على غنيمة تقدر ب17.5 مليون أورو، أي حوالي 200 مليون درهم، استعملت منها 30 مليون درهم في مشاريع مربحة.
ولتحقيق الهدف نفسه تم السطو على حلي ومجوهرات وتحويلها إلى سبائك بمساعدة مجوهراتي الشبكة، ثم هربت بالكامل إلى المغرب ووظفت فيه. ومكنت هذه الطريقة من تمويل عمليات وتحركات الشبكة من جهة، وتوفير مخابئ مناسبة من جهة أخرى، تتجلى في فنادق ومنازل بمدن مختلفة.
لكن ماذا عن علاقات الشبكة بالخارج؟ حسب تصريحات وزير الداخلية، فإن بلعيرج ربط اتصالات مع منظمة القاعدة في أفغانستان منذ 2001. وربط علاقات متواصلة مع الجماعة الإسلامية المقاتلة بالمغرب من 2001 إلى 2003 ، وكذا الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي استقبلت سنة 2005 بعض أعضاء الشبكة في معسكرات تدريب بالجزائر، كما أن بلعيرج حاول تدريب عناصر شبكته عند حزب الله في لبنان. وظل انخراط تنظيم حسن نصر الله في هذه المغامرة أمرا مستبعدا.
المهم من كل هذا هو الإستراتيجية المعقدة التي تم اعتمادها والسير على نهجها، إذ يلعب عامل الزمن دورا مهما يعطي للشبكة بعدها المميز (بكسر الياء).
بوضع اللبنة الأولى لتنظيمه سنة 1992 اختار بلعيرج السير في طريقين موازيين: من جهة أولى، تنفيذ خطة على المدى البعيد من أجل اختراق مؤسسات الدولة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني، ومن جهة ثانية، إنشاء خلية سرية مستعدة لتنفيذ عمليات إرهابية في الوقت والتاريخ المناسبين.
الهدف الأول من هذه الإستراتيجية هو تجنيد رجال سياسة بعيدين عن أي شبهة مثل المصطفى المعتصم زعيم حزب البديل الحضاري، ومحمد الأمين الركالة الناطق الرسمي باسم الحزب، واللذين يشتغل كلاهما في التعليم، ويمثلان وجهين محترمين لدى الطبقة السياسية المغربية. وكانا يدعيان انتماءهما إلى "اليسار الإسلاموي"، ولم يشكك أحد قط في التزامهما بالمؤسسات.
وحزب البديل الحضاري لم يتم التصريح له سوى سنة 2005 للمشاركة في الانتخابات الأخيرة وكان سبب تأخير الاعتراف به هو علاقاته بإيران والشيعة عموما، وكذا النقاش الدائر حول الشيخ ياسين وجماعته. لكن ظهور شبكة بلعيرج أعاد إلى الأذهان كل هذا، فما الدور الذي لعبه الرجلان (المنتميان إلى الحزب)؟ هل تم خداعهما أم انخرطا بكل نية وعزم؟ ألا يتعلق الأمر ب"طيش شباب" يعود تاريخه إلى سنة 1980 عندما انخرطا في مجموعة سرية تدعى "جند الله"؟
كل هذه الأسئلة تسري على رجل ثالث هو الآخر ألقي عليه القبض، ويتعلق الأمر بمحمد مرواني الذي قطع الطريق نفسه باستثناء كون حزبه (حزب الأمة) لم يعترف به قط. وأكثر من هذا، فحسب تصريحات وزير الداخلية، فإن مرواني شارك في الاجتماعات التأسيسية في كل من طنجة والدار البيضاء سنة 1992، وتم تنصيبه أميرا للمنظمة الجهادية.
إن "تورط" منتمين إلى أحزاب إسلامية، كما هو الحال بالنسبة إلى أحد النواب في حزب العدالة والتنمية، أو مراسل قناة المنار الموالية لحزب الله اللبناني، زرع الشك. إننا لا نشك في مهنية مصالح الأمن ولا حسن نية وزير الداخلية، "شكيب بنموسى ليس هو ادريس البصري" كما يقال، لكن لابد من الاستمرار في البحث والتقصي من أجل معرفة الحقيقة كاملة. ترجمة جمال الخنوسي/عن مجلة جون أفريك بتصرف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق