13‏/02‏/2008

عادل إمام يرسم ملامح "الأغنياء الجدد"


شريحة تجمع بين المال والسوقية انطلقت من رأس الدرب بالأحياء المهمشة للوصول إلى الثراء الفاحش في زمن قياسي

يكفي أن ينظر المرء من حوله ليرى، لا محالة، نموذجا من النماذج التي أراد فيلم عادل إمام الجديد "مرجان أحمد مرجان"، الذي يعرض حاليا في كل من المركب السينمائي "ميغاراما" و"لانكس" و"حابوس" و"ريتز" بمدينة الدار البيضاء، التطرق إليها وانتقادها من خلال سخرية لاذعة ونكتة هادفة وقفشات غاية في الظرف.
فبعد أن تطرق عادل إمام إلى مجموعة من الظواهر السلبية داخل المجتمعات العربية مثل التطرف الديني في فيلم "طيور الظلام" أو الشطط في استعمال السلطة في فيلم "اللعب مع الكبار"، أو الصراع العربي الإسرائيلي في فيلم "السفارة في العمارة"، اختار هذه المرة أن يتصدى إلى "نخبة" استفحلت في الآونة الأخيرة داخل المجتمعات العربية، وبزغت في لمح البصر دون أن يدري أحد من تكون ومن أين أتت. بل هي طغمة فاجأت الجميع بوجودها، وطفحت على السطح كنقط الزيت السوداء.
كلنا يعرف هؤلاء الأغنياء الجدد كما صورهم عادل إمام في فيلمه: غنى فاحش، وثراء مجهول الهوية، وسوقية لا حدود لها، وإيمان بقوة المال الذي لا يقهر. هم مجموعة من الفطريات المسمومة التي نبتت على غفلة من الجميع شعارها "من لم يغتن في هذا الزمن الأغبر لن يغتني أبد الدهر"، وسيكون الفقر حليفه أبد الآبدين. انطلقوا من رأس الدرب أو مجلبات الأحياء الهامشية ليصلوا في رمش العين إلى الكورنيش الراقي وفيلا عين الدياب الباذخة.
عادل تمكن من خلال ذكائه الفني الحفاظ على "هويته" فنانا كبيرا مهووسا بقضايا الأمة، ولم يسلك قط منحى الكوميديين الجدد من أمثال محمد سعد الذي انخرط في كوميديا تافهة يطلق عليها المصريون اسم "كوميديا المسطولين وهيستيريا الحبوب المهلوسة" في أفلام من الدرجة الخامسة مثل "كركر" و"كتكوت"، بعد نجاح فيلمه الأول "بوحة". أما محمد هنيدي فقد سقط ضحية نرجسية متضخمة "للفنان الكبير" و"البطل الوحيد الأوحد" ودفع ضريبة نجاح غالية لاستفراده بنصف أدوار أفلامه يؤديها جميعها، كما هو الحال في فيلم "يا أنا يا خالتي"، وبالتالي لم يبق سوى الزعيم الذي نجح في المزاوجة بين الضحكة والنكتة الهادفة من جهة والفيلم التجاري الذي لا يخذله شباك التذاكر من جهة أخرى. ونجح الإمبراطور في جمع نقيضين يحيران الفنانين في العالم بأسره هما منطق الفن ومنطق المقاولة والبيزنس.
ويحكي الفيلم الذي يعرض في قاعات العاصمة الاقتصادية منذ 6 فبراير في خطوة أولى قبل تعميمه على باقي القاعات الوطنية، عن شخصية مرجان أحمد مرجان التي يؤديها عادل إمام، رجل أعمال كبير يمتلك ثروة مشبوهة، يسير جميع أموره من خلال الرشوة والهدايا والإكراميات، كما تمكن من نسج علاقات مع شخصيات مهمة ونافذة، إلا أنه ينقصه شيء واحد لن يتمكن من شرائه بثرواته وطرقه المشبوهة، هو المستوى التعليمي والثقافة المحترمة. فإن كانت الحملات الانتخابية والطريق إلى كرسي البرلمان لم تستعص أمام ذهنيته الملتوية المحتالة وأمواله التي تعبد الطريق أمامه، فإن كل هذا لم ينفعه للحفاظ على ماء وجهه أمام أبنائه أو في حبه لأستاذة جامعية (ميرفت أمين) التي لم تقبل طريقة عيشه وأساليبه السوقية، الأمر الذي سيدفع مرجان إلى إعادة النظر في فلسفته ونهج طريق مختلف.
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق