12‏/05‏/2008

الحب في زمن "الفيس بوك"

قصص الحب الكبيرة عظيمة مثلها مثل العباقرة الذين خلد التاريخ أسماءهم لأنها نادرة وقلما يجود الزمان بها
قبل أن ينطلق ميلان كانديرا في سرد حكايته الجميلة وقصة الحب الخاصة في رواية "كائن لا تحتمل خفته"، كان للقراء موعد مع درس فلسفي طويل يشرح فيه كونديرا كيف أن اللقاء العاطفي الأول والحب من أول نظرة يحتاج إلى عدد لا حصر له من ضربات الحظ من أجل حدوث ضربة من كيوبيد ملاك الحب وتسديد سهام العشق التي يوجهها إلى حبيب المستقبل. تخيلوا كم ضربة حظ لزمت لقاء كل منا مع المرأة أو الرجل الذي يحب، القطار الذي يتأخر عن موعده واللقاء في المحطة، ابنة الجيران التي انتقل أبوها إلى المدينة بعد مشاكل في عمله أو بسبب ترقية، لقاء عابر بلا أهمية يتحول إلى قصة حب عنيفة، وعلاقة مهنية يكتشف بعدها المرء أن القضية فيها "إن"، الآلاف والآلاف من ضربات الحظ التي سمحت بجمع قلبين لم يجمع بينهما أي شيء، وفي كثير من الأحيان تكون المسافة بينهما كالمسافة بين السماء والأرض.
ويسير كونديرا في طرحه أبعد من هذا، ويقول إن الوقوع في الحب لا يمكن أن يكون إلا حدثا ينذر وقوعه ويضرب الأمثلة بالرجال والنساء العظماء في التاريخ الذين يندر وجودهم لأنهم عظماء وعباقرة، ولو تكرروا بشكل عشوائي ومبتذل لما كانوا كذلك عظاما يخلد التاريخ أسماءهم. فأم كلثوم مثلا فنانة كبيرة لأنها لا تتكرر في التاريخ ولم يجد الزمان بمثيل لها. كذلك هي قصص الحب العميقة فإن الزمان قلما يزود بها.
وكما نتحدث اليوم عن قصص الحب بكثير من النوستالجيا والحنين، تحدث من قبلنا آخرون بالمنطق نفسه والحنين ذاته. لقد كان زمننا خير، من هذا الزمن "الأغبر". في زمننا كانت رسائل الحب وكلمات العشق تتمرغ في الحبر والورق والهمسات وحديث الأنامل الملتهبة. أما اليوم فكل شيء ماسخ، بارد، علاقات الحب تبنى في منتديات "الشات" وعلى دردشة "الماسنجر" وصفحات "كتاب الكمارة" أو "الفيس بوك"، ومراهقو اليوم يقولون "جوتيم" ب"الإس إم إس"، و"أي لوف يو" ب"الإيموتيكون". آباؤنا يقولون الشيء ذاته فليس هناك أجمل من قصص الحب على أنغام العندليب عبد الحليم حافظ، وآهات كوكب الشرق أم كلثوم وسينما الأبيض والأسود. ليس هناك قصص حب جميلة دون "مرسول الحب" الذي ينقل الأخبار والحنين وحرقة الشوق. وهكذا دواليك يمكننا السفر في الماضي إلى ما لا نهاية حيث العشق الجميل والحب بلا سيدا، أو الانتقال عبر آلة الزمن إلى حقبة المشاعر المتبلدة و"السيبير سيكس".
كل هذا هراء في هراء، فالحب هو هو، عاطفة غريبة، إحساس غير مبرر، وشعور غامض يحتاج إلى عشرات الصدف من أجل أن يخلق قصة لاهي بالجميلة ولا بالقبيحة، ليست سفرا رائعا مطلقا، ولا رحلة عذاب لا تنتهي، هي فقط قصة حب وكفى.
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق